عدن أون لاين/ أحمد شبح* لم تعد تحركات صالح التي طالما وصفت بال»استفزازية» تقتصر على حرصه على الظهور الإعلامي وتصدر أخباره الصفحات الأولى لوسائل الإعلام ونشرات أخبار الفضائيات وممارسة سلطات باتت خارج صلاحياته بعد توقيعه المبادرة التي تنص على أن يبقى رئيساً شرفياً فقط حتى الواحد والعشرين من فبراير القادم. بل تعدت ذلك إلى سعي الرجل إلى إفشال المبادرة الخليجية عبر بوابة النائب عبدربه منصور هادي. منذ توقيع المبادرة الخليجية (23 نوفمبر 2011م) انتقلت العلاقة بين هادي وصالح من مرحلة التبعية إلى مرحلة الخصومة وهي اليوم في طريقها إلى مرحلة الافتراق. وتشير المعلومات والوقائع إلى أن العلاقة بين صالح وهادي، باتت قريبة من نقطة الافتراق بعد بروزها الأسبوع الماضي على شاشة قناة اليمن الفضائية وخروجها إلى السطح بعد أن كانت تقتصر على الغرف المغلقة وقاعات اجتماعات حزب المؤتمر. يبدو أن تلك العلاقة قد تصل إلى «مفترق طرق» في وقت ليس بالطويل. وصل الحد في الفرقة بين صالح وهادي، حد أن يدفع الأول 4 مليار ريال للحوثيين مقابل العبث بساحات الحرية والتغيير والتهوين من النائب هادي -وفقاً لما كشفه موقع «الأهالي نت» عن مصادر خاصة الأسبوع الماضي. لينشأ مؤخراً تحالف بين صالح والحوثيين بغرض إفشال المبادرة الخليجية التي يعتبر أنها ستفضي إلى استقرار سياسي ونقل السلطة السلمية وتنهي ثلاثة عقود من حكمه. وبدت تأكيدات الاختلاف بين الرجلين، مطلع الأسبوع الماضي، على شاشة الفضائية اليمنية التي بثت خطابين لهما وبنفس الفعالية. وسلطت عليه الأضواء في العدد الأسبوع الماضي من «الأهالي».
الرئيس ينازع النائب صلاحياته يرفض هادي تدخل صالح في اختصاصاته الممنوحة له بموجب الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وقاطع الأول ومعه عبدالكريم الإرياني ووزير الدفاع اللقاء التشاوري الذي جمع صالح بقيادات من حزب المؤتمر في مجلسي النواب والشورى الأربعاء الماضي. وأبدى هادي في رسالة لصالح ومعاونيه احتجاجه بشدة على مطالبته بإلغاء قرارات أشخاص ثار ضدهم منتسبو المؤسسات العسكرية والمدنية على خلفية اتهامهم بقضايا فساد -كما ذكرت صحيفة البيان. وأبلغ هادي، الدول الراعية للمبادرة الخليجية بتلك التدخلات وأعاد التذكير بموقفه السابق بأنه على استعداد لمغادرة صنعاء إلى مدينة عدن أو مغادرة البلاد إذا ما تمت إعاقة تنفيذ المبادرة الخليجية ودفعت البلاد نحو القتال من جديد -وفقاً للصحيفة. وتؤكد المعلومات نشوب خلافات مستعرة بين صالح وهادي مؤخراً بسبب تقارب الأخير مع تكتل «اللقاء المشترك» وبشأن كيفية إدارة الأوضاع خلال الفترة الانتقالية الأولى التي تنتهي في فبراير المقبل. وقالت مصادر سياسية لصحيفة البيان الإماراتية أن صالح «غير راض عن التقارب الحاصل بين نائبه وتكتل اللقاء المشترك الذي يرأس الحكومة، كما إنه يدفع باتجاه تصعيد الأوضاع من خلال إيقاف العملية السياسية». وزادت حدة التوتر إثر خطوات قام بها صالح لتوتير الأجواء السياسية، منها تعطيل عمل اللجنة العسكرية (يرأسها النائب هادي) في جنوب العاصمة صنعاء وعدم السماح لها بإزالة المتاريس والنقاط العسكرية المستحدثة التي تسيطر عليها قوات الحرس الجمهوري التابعة لصالح. وليس من المصادفة أن تقوم اللجنة الأمنية العليا التي يترأسها صالح باستئناف نشاطها، الجمعة، ببيان لها نشر عبر الموقع الرسمي للجيش اليمني (سبتمبر نت)، الأمر الذي عده مراقبون انقلابا على المبادرة الخليجية، كون اللجنة الأمنية ملغية بموجب إنشاء اللجنة الأمنية والعسكرية التي يترأسها هادي، التي تحمل شرعية دولية.
هادي واعتياد العمل في صمت اللافت في التسريبات الأخيرة عن تهديد هادي بمغادرة صنعاء في حال نجاح صالح في إعاقة تنفيذ المبادرة، إنها تبقى تسريبات عن مصادر قريبة من النائب أو مطلعة، فيما لم تصدر تأكيدات من طرف النائب بالنفي أو التأكيد. ويغيب النائب عن الظهور، ويغيب مكتبه عن المشهد بتطوراته المتسارعة. ربما كانت الحاجة ماسة لخروج النائب عن الصمت إن لم تكن ضرورة في هذا التوقيت الحساس لإظهار الحقائق بصورة رسمية. وكأن الصمت الذي اعتاد هادي على العمل فيه أصبح طبعا لازما لا يمكن أن يتغلب عليه التطبع الذي ينتظر منه في الوقت الحالي.
تناقضات وتقلبات مثل حركة الرياح المتقلبة يتقلب صالح في تحركاته ومواقفه، إذ من الصعب البناء على موقف ما يعلنه الآن في تحليل أو توقع موقفه بعد لحظات من الآن. لنلاحظ التناقض مثلاً في مواقف صالح: يعلن إنه سيبقى في اليمن وإنه سيقود الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة عبد ربه منصور، ويوجه في ذات الوقت أتباعه وبقايا نظامه بطباعة ملايين من الأقنعة التي رسم عليها صوره استعداداً للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 21 نوفمبر القادم، لتوزيعها وإثارة الفوضى والقيام بأعمال بلطجة ونهب وسلب.. يعلن نيته السفر إلى أمريكا (وافقت على طلبه بهدف تأمين نجاح المبادرة التي ترى إن بقائه يهددها) للعلاج يلغي سفره للإشراف على تنفيذ المبادرة.
المؤتمر الشعبي .. البوابة الثانية لإجهاض المبادرة سبق وكشفت مصادر خاصة عن نية صالح تشكيل حزب سياسي بديل عن حزب المؤتمر بعد تغيب هادي عن اجتماعات اللجنة الدائمة للحزب في اجتماعاتها الأخيرة. معظم تحركات صالح الرامية إلى إفشال المبادرة باتت غير مرئية لعيون الإعلام ومن اللافت أن بعضها تدار من قاعات بقايا حزب المؤتمر الشعبي بشراهة عميقة حيث يستخدم صالح الحزب لتمرير رغباته التي تتعارض تماماً مع مصالح الحزب الذي يوشك أن يقع في الحمى، ويدعي رئيسه حرصه على إعادة هيكلة وتنظيم الحزب الذي تهاوى بعد استقالة أغلب قياداته وانضمامهم للثورة الشعبية السلمية التي تشهدها اليمني منذ فبراير 2011م. ووجه رئيس كتلة المؤتمر الشعبي سلطان البركاني كلاماً حاداً للنائب هادي في لقاء تشاوري ضم صالح وهادي وأعضاء من الحزب وبعض محافظي المحافظات. وتشير مصادر «الأهالي نت» إلى أن صالح كلف البركاني بالقيام بتصريحات هجومية على النائب هادي والمبادرة الخليجية. ويعمل صالح ومعه بعض قيادات الحزب التي باتت تعرف بتيار «الصقور» على عرقلة تنفيذ المبادرة الموقع عليها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي. البركاني سبق وأفصح عن توجه حزب المؤتمر لإفشال انتخابات 21 من فبراير الرئاسية بحجة أنها مرتبطة بتنفيذ المبادرة وآليتها بحذافيرهما -حسب قوله. يقول البركاني ذلك بعد أن رشح حزبه هادي للانتخابات الرئاسية رغم أن هادي هو نائب رئيس حزب المؤتمر الذي يتحدث باسمه البركاني ومن المقرر أن تفضي الانتخابات إلى فوز هادي برئاسة الجمهورية ليحافظ حزب المؤتمر على هذا المنصب الذي وهبته له المبادرة. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن تلويح البركاني بإمكانية سعي حزبه إلى إفشال الانتخابات القادمة يحاكي موقف الفصيل المتشدد في الحراك الجنوبي الرافض للانتخابات. وسبق وجدد القيادي في الحراك الجنوبي ناصر الخبجي ذلك الموقف ودعا أبناء المحافظات الجنوبية إلى «رفض أية انتخابات رئاسية أو برلمانية ومقاومتها بالطرق السلمية وعدم السماح بإجرائها في الجنوب». ودعا إلى عدم الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني التي قال إنها تجسيد لجعل الجنوب تحت الوصاية الخليجية وامتداد لشركاء حرب 94م ضد الجنوب -حسب قوله. كما يحاكي ما قاله البركاني الموقف الحوثي الرافض للمبادرة الخليجية التي من أهم بنودها الانتخابات الرئاسية المبكرة. ومقابل تلويح المؤتمر بإفشال الانتخابات التي يترشح فيها نائب رئيسه، أعلنت أحزاب اللقاء المشترك دعمها لهادي مرشحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية القادمة. مقابل إعلان الجيش المؤيد للثورة دعمه وتأييده «اللامحدود» لهادي «في ممارسة صلاحياته الرئاسية الدستورية والقانونية كاملة غير منقوصة والمخولة له بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية».