تعيش الأحزاب اليمنية حالة جمود واغتراب جعلتها معزولة عن واقعها بعيدة عم وقائعه ومساراتها المختلفة، لأسباب سوف نشير بإيجاز إلى أهمها فيما سيأتي من كلام. هذه الحالة من الجمود والاغتراب التي تعيشها الأحزاب اليمنية، وتحديداً تلك التي تجسد قدراً من الحضور السياسي وسط الجماهير، وهي الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، أقول هذه الحالة، انعكست سلباً على خارطة الوجود الحزبي، بحيث أدخلت العمل الحزبي في أزمات أخرجته تماماً من دوائر الاهتمام به في الهياكل التنظيمية تخطيط وبرمجة. إن أزمات العمل الحزبي في بلادنا واضحة بصورة لا تحتاج إلى بينة أو برهان، فإذا كابرت هذه الأحزاب في عدم الاعتراف بها فإنها تتعامى عن واقع يتحرك بها نحو مآلات خارجية عن إمكانيات التحكم بها أو احتمالات السيطرة عليها، في المستقبل القريب أو البعيد. تتجلى أولى أزمات العمل الحزبي في الخطاب السياسي للأحزاب اليمنية، فهذا الخطاب مأزوم بفقدان المرتكزات الواقعية والأطر المرجعية لذلك ينحصر مضمونه في بعد واحد ووحيد هو معارضة السلطة أو مهاجمة المعارضة، بعيداً عن الانفتاح على رأي عام محتاج إلى مضمون واقعي ونسق فكري ينمي الوعي الجمعي ، ويبلور اتجاهاته ومواقفه ويحدد حركته بالتنظيم والتخطيط. لم يعد بمقدور الأحزاب اليمنية إنتاج خطاب معبر عن الواقع ومجسد لتطلعات المواطنين بحيث يكون في صدوره إليهم منبثقاً منهم، ومحركاً لوعيهم بالأحداث ومواقفهم منها بإيجابية تحشدهم في النشاط الحزبي المنظم وبرامجه العملية على الصعيدين:المحلي والوطني. إن براهين التصديق على هذا الرأي تأتي من الواقع بحقائق غياب الأحزاب عن سياق الأحداث ومجرياتها في كل من أزمتي صعدة والحراك في بعض محافظات الجنوب، بالإضافة إلى ملفات الإرهاب والأمن والتنمية، وحين ينحصر الوضع بين السلطة وأطراف تلك الأزمات في تناولات الإعلام المحلي والخارجي لأحداثها فإن الأحزاب تكون بحكم الواقع ووقائعه قد فقدت وجودها بفقدان دورها فيه. ومن الخطاب السياسي المأزوم إلى النشاط الاتصالي والأداء الإعلامي، تتسع مساحة التأزم في العمل الحزبي وتتجذر في مكوناته المادية والمعنوية، فآليات التواصل الخاص والعام معطلة،ووسائلها المباشرة وغير المباشرة مجمدة وعاجزة عن الوصول إلى الجمهور، ناهيك عن قدرتها على التأثير في وعي الناس واتجاهاتهم. لا يجد المعني بالعمل الحزبي ،والمهتم بمعرفة منطلقاته وغاياته ما يشير إلى قيام حزب من الأحزاب اليمنية بوضع السياسة الإعلاني بوسائله المتاحة، وتقييم أداء هذه الوسائل لمعرفة مدى نجاحها في تنفيذ تلك السياسة وتحقيق أهدافها،مما يجعلنا على يقين أن أحزابنا لا تعرف مهمة العمل الإعلامي ودوره في السياقات العامة لجوانب العمل الحزبي. ورغم اقتصار العمل الإعلامي على الوسائل المقروءة والالكترونية، بالإضافة إلى اللقاءات المباشرة، والمطبوعات المحدودة، فإن عجز الأحزاب عن رسم الملامح العامة لسياستها الإعلامية يكشف عن أزمة الإطار المرجعي لفكرها السياسي، إذ تتطلب السياسة الإعلامية تحديد الموقف الحزبي من الحريات عامة، وحرية التعبير خاصة، بما يقتضي تحديد مرتكزات المهنية والموضوعية في التحرير، واحترام الرأي الآخر، وهذا ما لا ترغب أحزابنا في مقاربته تمسكاً بنمط تعبوي للرسالة الإعلامية ورؤية منغلقة على أحادية الخطاب في واقع تعددي. لا تعمل الوسائل الإعلامية المتاحة للأحزاب كمنابر للحوار الحر بين الآراء المختلفة حول القضايا الوطنية لتكون الأحزاب أدوات الإدارة الديمقراطية للجدل الدائر داخل كل حزب، وبين هذه الأحزاب نفسها من جهة، وبينها وبين قيادات الرأي العام خارجها من جهة أخرى، لذلك تبقى الأحزاب بعيدة عن حركة الواقع ومستبعدة عن التفاعل الإيجابي مع معطيات هذه الحركة ومساراتها. تأتي أزمة التنظيم بعد أزمتي الخطاب السياسي والأداء الإعلامي لتكمل جانباً من الصورة الظاهرة لأزمات العمل الحزبي في خارطته اليمنية الراهنة، فهذه الأزمة تتجلى في انعدام مظاهر الوجود الحزبي الفاعل على الساحة الاجتماعية، جغرافياً وزمنياً بسبب غياب الإستراتيجية التنظيمية الملائمة لبيئتها السكانية وتنوعاتها المختلفة حسب تضاريس الجغرافيا مثلاً، أو حسب طبيعة الاجتماع السكاني بين المدن والأرياف. وترتبط بأزمة التنظيم ارتباطاً عضوياً أزمة النشاط الحزبي وفاعليته، وبمقدور أي محاولة إحصائية للفعاليات الحزبية الخاصة والعامة، أن تكشف لنا أن أحزابنا اليمنية ذات رصيد لا يمثل قيمة معتبرة في دلالته على نشاطها الإيجابي، إن لم نقل أن هذه الأحزاب لا نشاط لها بالمرة. هل بمقدور أي من هذه الأحزاب أن يكشف لأعضائه والرأي العام حجم نشاطه الخاص بتأهيل كوادره وتنمية مهاراتهم الحزبية في مجالات الحشد والتنظيم، أو جوانب الإدارة والتخطيط؟ أتساءل هنا، لبيان وجه من تجليات أزمات العمل الحزبي ولأضيف إليها التساؤل عن حجم النشاط الحزبي لأي حزب يمني في مجال تنمية قدرات أعضائه وتطوير مهاراتهم النظرية والعملية في مجال الاهتمام بحقوق الإنسان والحريات وتنمية الديمقراطية. إذا لم تنظم الأحزاب بنيتها ولم تبن قدراتها العملية وتعزز هذه القدرات بالتدريب والخبرة، فكيف بمقدورها أن تعمل على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها؟بل كيف لها أن تخطط برامج العمل وتدير آليات التنفيذ بكفاءة واقتدار. وتبقى أزمات التجدد والفاعلية والنماء والتأثير مفتوحة على التأمل والتساؤل،من منطلق الإيمان بأهمية العمل الحزبي المنظم والمبرمج لمواجهة أزمات الواقع والتفاعل الإيجابي مع معطياتها، والاستجابة القادرة على الفعل والتأثير للتحديات المختلفة ومتطلبات التنمية والتطوير. ولا شك أن أزمات العمل الحزبي تستدعي قبل الوصف والبيان، تفسيراً يبين أسبابها ويكشف العوامل التي صنعتها وقادت إليها، والعوامل التي تحول دون الخروج منها وتجاوزها بإصلاح تدريجي أو تغيير جذري،وسنقول هنا إن واقع التخلف وشحة الموارد والإمكانيات،تضعف العمل الحزبي وتثقله بالعوائق والأزمات، وسوف نرضي المعارضة أيضاً بالقول إن السلطة السياسية والحزب الحاكم يعملان بكل الوسائل بما في ذلك استخدام إمكانيات الدولة والمال العام لإضعاف الأحزاب وشل حركتها وإفقادها الفاعلية والتأثير. ثم نعتمد هذه القول تفسيراً معقولاً ومقبولاً لأزمات العمل الحزبي لنرتب على ضوء ذلك سؤالاً بهذه الصيغة إذا كان ذلك هو الواقع الحاضن للوجود الحزبي، فما هي المداخل المتاحة لتغييره وتوفير بيئة ملائمة لازدهار الخارطة الحزبية وامتلاك الأحزاب اليمنية مقومات القدرة على الفعل والتأثير؟ تكمن أهمية هذا السؤال في أهمية جوابه لبيان المعادلة الرابطة بين فاعلية العمل الحزبي وإنجاز مهام الإصلاح والتغيير التي لن تتحقق أو تحقق أهدافها بغير أحزاب قوية وقادرة على إنتاج الحركة المؤثرة في الواقع والفعل القادر على التحكم بواقعه والسيطرة على حركته ومآلاتها. إذاً، يتحدد المدخل إلى حل أزمات الواقع اليمني ومشكلاته الصغيرة والكبيرة بتجاوز أزمات العمل الحزبي، أي بإصلاح أداة العمل السلمي المحدد لتنفيذ برامج الإصلاح الجزئي أو التغيير السياسي الشامل والمتكامل،فأياً كان صدق المضمون النظرية لبرامج العمل، وأياً كان صوابها الواقعي نظرياً وعملياً، فإنه نفاذها في الواقع ونجاحها في تغييره مرهون كلياً لأداة العمل المجسدة للقدرة والكفاءة في التنفيذ والإنجاز ، وهذه الأداة هي الأحزاب، ومنها يبداً التغيير والحل.. تحتاج أحزابنا إلى الاعتراف بأزمات عملها، ومن ثم التفكير بمداخل ووسائل معالجة تلك الأزمات وتجاوزها إلى حالة من الحيوية والفاعلية،وجوداً ودوراً ، فالجماهير لن تستجيب للخطاب الحزبي المفرغ من المضمون الفكري والدلالات الواقعية، ولن تتحرك خلف أدوات لا وجود لها في الواقع ولا فاعلية، والتغيير لن يتحقق بالأماني والرغبات لذلك ندعو الأحزاب اليمنية إلى التفكير بما هي عليه من جمود واغتراب ومن عجز الأحزاب اليمنية إلى التفكير بما هي عليه من جمود واغتراب ومن عجز وغياب، لتدرك أنها الأولى بالإصلاح والأحق بالإنقاذ من واقع مهما كان سوءه فإنها بعيدة منه وغريبة عنه،وعليه ندعوها للتفكير.