ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    خبير عسكري سعودي: ستشاهدون سفن تجارية تحترق في البحر الأحمر والعربي وهذا ما سيحدث!!    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    الحوثي يسلّح تنظيم القاعدة في الجنوب بطائرات مسيرّة    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    عاجل: هجوم حوثي جديد على سفينة في المخا وإعلان بريطاني يؤكد إصابتها    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    جريمة بشعة تهز عدن: أب يطلق النار على بناته ويصيب أمهن بجروح خطيرة!    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    منح العميد أحمد علي عبدالله صالح حصانة دبلوماسية روسية..اليك الحقيقة    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    عاجل: الحكم بإعدام المدعو أمجد خالد وسبعة أخرين متهمين في تفجير موكب المحافظ ومطار عدن    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    المنتخب الوطني الأول يواصل تحضيراته في الدمام استعداداً للتصفيات الآسيوية المزدوجة    مارسيليا يسعى إلى التعاقد مع مدرب بورتو البرتغالي    ياوزير الشباب .. "قفل البزبوز"    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    بحضور القاسمي ... الاتحاد العربي للدراجات يعقد الاجتماع الأول لمكتبه التنفيذي الجمعة المقبل بالقاهرة    سد مارب يبتلع طفلًا في عمر الزهور .. بعد أسابيع من مصرع فتاة بالطريقة ذاتها    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    غرامة 50 ألف ريال والترحيل.. الأمن العام السعودي يحذر الوافدين من هذا الفعل    ''بيارة'' تبتلع سيارتين في صنعاء .. ونجاة عدد من المواطنين من موت محقق    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    العكفة.. زنوج المنزل    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    محرقة الخيام.. عشرات الشهداء والجرحى بمجزرة مروعة للاحتلال في رفح    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحدي جالوت: التجمع اليمني للإصلاح ونضاله من أجل التغيير السياسي «2006-2011» (دراسة)
نشر في المصدر يوم 16 - 04 - 2013


عرض: عبد السلام الربيدي

هذا عرض لدراسة نالت بها الباحثة مرايكا ترانزفلد درجة الماجستير من قسم العلوم السياسية جامعة فريدرش الكسندر – ارلانجن بألمانيا خلال العام الدراسي 2011-2012، وستُطبع قريباً في إحدى دُور النشر الألمانية. وسنقدم عرضاً لهذه الدراسة لما فيها من أهمية عملية ونظرية في محتواها وطريقة عرضها للموضوع.

تتكوَّن الأطروحة من فصل تمهيدي يُعرض الموضوع والمنهج، يعقبه سبعة فصول تشكّل لفرضية البحث، ويتلو كل ذلك خاتمة ترصد أهم نتائج البحث وتوصياته.

عمدت الباحثة إلى التوسل بالنظرية الخاصة بدراسة النظم الشمولية، باعتبار أن حزب الإصلاح يعمل ضمن منظومة نظام شمولي هو النظام السائد خلال الفترة قيد البحث، ولكي تفهم مواقف الحزب وفاعليته السياسية خلال الفترة المحددة تجاه أهم الأحداث السياسية، وهي انتخابات 2006، وانتخابات 2009، وثورة الربيع اليمني 2011، حددت الباحثة مساراً للبحث يكشف بنية الحزب وتفاعله مع الأحداث وفقاً لتلك البنية.

نالت الباحثة مرايكا ترانزفلد عن دراستها هذه درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بألمانيا
يتعرض الفصل الأول (وهو المقدمة) لفرضية البحث، ومداه الزمني، ومنهجيته، وخطاطته التكوينية. أما فرضية البحث فيمكن أن تُستنتج من خلال الأسئلة التي حاولت الباحثة الإجابة عنها، وهي: متى وكيف أصبح الإصلاح مهدداً للنظام بعد أن كان حليفاً له مدّة تزيد عن عقدٍ من الزمن؟ وكيف يمكن أن يفهم هذا المسار للحزب في ضوء أحداث الربيع العربي؟

وبالإجابة عن هذه الأسئلة، سيكون من المُمكن فهم توجّهات الإصلاح نحو الربيع العربي في سياق المُعطيات المحلية والإقليمية. وتمضي الباحثة في مقاربتها تلك مفترضة أنَّ النظام على علاقة ضرورية بالديناميكيات الداخلية لحزب الإصلاح. وحتى تثبت ذلك، وتضعه في إطار نظريٍّ منضبط، لجأت إلى توظيف أداة نظرية ذات قُدرة تفسيرية عالية في النظرية الاجتماعية السياسية، وهي «المجموعات الإستراتيجية والمجموعات القادرة على الصراع». وهي تفترض أن حزب التجمع اليمني للإصلاح «حقل فعلٍ بقدر كونه فاعلاً»، وقد نظرت إليه في دراستها من الزاوية الأولى، وهي كونه «حقلَ فعلٍ» فيه عدد من الفاعلين يتوزعون في علاقتهم بالنظام على مجموعتين رئيسيتين، هما: المجموعة الإستراتيجية، التي تسعى إلى بقاء الوضع القائم، والمجموعة القادرة على الصراع، وهي مجموعة تسعى إلى تغيير الوضع القائم. وقد رأت أن طبيعة سلوك الحزب تجاه النظام تعتمد على قدرة أيٍ من المجموعتين على الاستفادة من الإمكانات التنظيمية للحزب.

ومن هنا يصح للباحثة أن تصيغ فرضيتها السابقة على نحوٍ أكثر شمولاً: «النظام على علاقة ضرورية بالديناميكيات الداخلية لحزب الإصلاح، والعلاقة بين الفاعلين علاقة ذات بنية أبوية جديدة، Neopatrimonial، (مصطلح طُور عن نظريات ماكس فيبر لدراسة بعض النظم ذات الطابع الأبوي الجديد في أفريقيا خاصة، وفيها يقوم الراعي الأب باستخدام موارد الدولة لكسب الولاءات)، وهذا يعني أنّ أي تغيير في النظام أو في ممارسته الأبوية سيؤثر في الديناميكيات الداخلية لحزب الإصلاح، وسيؤدي في نهاية الأمر إلى التأثير على سلوك الحزب تجاه النظام». وبعد أن تلخص الباحثة في الفصل الثاني أهم المصادر التي اعتمدتها في مقاربة الموضوع، تتتبع المسيرة التكوينية للإصلاح منذ بداياته في مطالع ستينيات القرن العشرين – بعد ثورتي اليمن - مستعرضة علاقته بالنخب الحاكمة حتى اندلاع انتفاضة 2011.

قسمت الباحثة تجمع الإصلاح إلى ثلاثة أجنحة: الفصيل القبلي والسلفي والإخواني
أما الفصل الرابع، فتوقفه الباحثة لما أسمته «كشف الغطاء» عن البناء التكويني للحزب، وفيه تكشف عن أهم الفاعلين في الحزب، ومصادر تمويلهم وقوتهم، ومصالحهم، وفقاً للأداة النظرية المعتمدة (المجموعة الإستراتيجية والمجموعة القادرة على الصراع)؛ حيث ترى أنَّ الحزب يتكوَّن من ثلاثة فصائل رئيسية، هي: الفصيل القبلي (أسرة آل الأحمر ومن يتصل بهم)، والفصيل السلفي (الزنداني ومن يتصل به)، والفصيل الإخواني. وتقدم في نهاية هذا الفصل تقييماً للقدرة التنظيمية والمؤسسية للحزب من أجل اختبار قدرته على إدارة الصراع.

يأتي الفصل الخامس ليفحص البناء التكويني للمجموعة الإستراتيجية الحاكمة وليلقي الضوء على «البنية العليا» التي أسستها تلك المجموعة (لا تستخدم الباحثة مفهوم الطبقة؛ خوفاً من المحاذير الثقافية للمصطلح)، وعن الكيفية التي سعت بها إلى تدويم هيمنة تلك البنية.

وبعد أن تورد الباحثة البدايات الأولى التي ترجع إلى سبعينيات القرن العشرين لتَكوُّن الطبقة العسكرية من سنحان في عهد الرئيس الحمدي، الذي أزاح المشايخ وقرَّب العسكر، ومنهم علي عبدالله صالح - بعد ذلك، تعالج الباحثة البنية التكوينية لتلك المجموعة، التي تتألف من دوائر متراصة على نحو تراتبي: «دائرة الأسرة» أسرة الرئيس وأقاربه، «دائرة داخلية» مشايخ سنحان وبيت الأحمر والضباط العسكريين، «دائرة خارجية» نخب مختارة من مشايخ حاشد وبكيل وعلماء الدين، «دائرة التأثير الجمعي غير المتجانس» نُخب مدنية من أسر قديمة حاكمة، ونخب تجارية تقليدية، وتكنوقراط، وعناصر ذات تأثير جمعي ذي طابع حزبي أو قبلي. وإلى جانب ذلك، يفحص هذا الفصل النفوذ والتمويل لهذه المجموعة ال«أولجارشية» التي تكاد تسيطر على كل الموارد الأساسية للبلد.

وفي هذا السياق، وبالاعتماد على مصادر أكاديمية وتقارير صحفية، تورد الباحثة بعض الحقائق والأرقام للمدى الذي وصل إليه تغوّل هذه المجموعة «اقتصادياً وعسكرياً»، وما قابل ذلك من تدهور حاد في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن اليمني، مع غياب للحُريات، وفقدان للأمل في أي إصلاح سياسي.

وضعت الباحثة انتخابات 2006 كمعيار لقياس فرضيتها وقاست سلوك الإصلاح تجاهها
وفي الفصل السادس، تعرِّج الباحثة على أولى النقاط التي وضعتها معياراً لقياس فرضيتها، وهي انتخابات 2006 المحلية والرئاسية، وسلوك الإصلاح تجاهها. وترى أن العام 2005 يُعدُّ عاماً مشهودا، ففيه كانت البدايات الحقيقة لما يسمى ب«الربيع العربي»؛ حيث شهد هذا العام عدداً من الاحتجاجات في الوطن العربي عامة، وفي اليمن خاصة، فقد نادى بعض المتظاهرين في صنعاء بعبارة «لا سنحان بعد اليوم» وأحرقت صور الرئيس، وتداعوا للذهاب إلى القصر الجمهوري لولا انتشار قوات الحرس الجمهوري ومنعهم من ذلك. وهو العام نفسه الذي تعرَّض فيه صالح للنقد والتوبيخ العنيف من الإدارة الأمريكية، التي رأت أنه لم يقم بأي إصلاحات، إلى درجة أن كوندليزا رايس قالت له في العاشر من نوفمبر من نفس العام بواشنطن (دي سي): «إننا لن ننظر إليك كمرشح شرعي في الانتخابات المقبلة». وفي هذا العام نفسه، قال صالح أمام الجماهير إنه لن يترشّح للانتخابات المقبلة في إشارة إلى المعارضة بأن من حقهم تقديم مرشح لهم، وهي خُطوة مدروسة لإضفاء الشرعية على نظامه في وجه أزمة المشروعية التي يشهدها النظام بسبب غياب التطوير الاقتصادي، والإصلاح السياسي.

وما إنْ حلت انتخابات 2006 وووجه فيها صالح بمرشح حقيقي، وهو فيصل بن شملان، حتى ظهرت معالم الحرص على تدويم النظام. ورغم تقرير البعثة الأوروبية المادح للانتخابات، ومُباركة بوش لصالح بتلك الانتخابات «الحُرة والنزيهة» طبقاّ لعبارته، إلا أنها وفقاً للنظريات التي تعالج الأنظمة الشمولية لا تعدو كونها آلية من آليات الخروج من أزمة المشروعية، ووسيلة من وسائل البناء الفوقي للنظام من أجل الاستمرار.

تطرقت الباحثة إلى الخلافات بين عائلة صالح وأسرة الأحمر وأرجعتها إلى قضية توريث الحكم
في المبحث الثاني من هذا الفصل، تتناول الباحثة ما أسمته ب«التغيرات الطارئة على البنية الأبوية: الشروخ الأولى في تحالفات النظام»، وفيه تعرّض للأسباب التي أدت إلى توتر العلاقة بين أسرة الرئيس صالح (الرئيس وأبنائه وأبناء أخيه) وأسرة الشيخ عبدالله الأحمر (الشيخ وأولاده). وبالاعتماد على عددِ من الأدبيات الأجنبية المكتوبة عن اليمن، والتقارير المُتاحة في السفارة الأمريكية خاصة، ترجع الباحثة أسباب الخلاف إلى قضية «توريث الحكم» التي جعلت صالح ومحالفيه من سنحان يتفقون على تولية أحمد بعد أبيه – نظراً لأن الرئيس هو من يملك الحق الدستوري في الحكم وهو صمام الأمان لبقاء السلطة والمال في أيدي المجموعة الحاكمة- وقد بدأت الترتيبات لهذا الأمر منذ العام 2001، وبالموازاة أخذ الرئيس في تهميش أسرة آل الأحمر شيئاً فشيئا، وخصوصاً الشيخ الطامح حميد الأحمر. وقد أخذ التهميش طابعاً سلطوياً عن طريق تولية أحمد الحرس الجمهوري، وتولية يحيى وطارق وآخرين من أبناء أخيه وأقربائه أهم المناصب الأمنية، كما أخذ طابعاً تجارياً عندما عمد الرئيس وأبناؤه إلى الاستثمار في قطاع الاتصالات عن طريق إطلاق مشروع شبكة «يمن موبايل» لتكون منافسة ل«سبأفون» التي يملكها حميد.

وعلاوة على ذلك، تم التضييق على الشيخ حميد في مجال قطاع النفط، الذي يتقاسم حصصاً كبيرة منه كلٌّ من أسرة الرئيس وأسرة الأحمر والجنرال علي محسن الأحمر.

وفي سياق هذا التهميش، تم الإعلاء من شأن الشيخ الشايف على حساب مكانة الشيخ عبدالله الأحمر. واحتدت وتيرة التوتر بين الطرفين عندما غادر الشيخ الأحمر في 2005 إلى السعودية، وعزي إلى مصدر قريب منه أنه ترك اليمن لعلي صالح. لقد كان الرئيس يدرك تماماً أن الشيخ الأحمر في ذلك العام قد بلغ 70 عاماً، وأن أيامه باتت معدودة، وقد أدى دوره بوصفه عامل استقرار للنظام، أما أولاده فلن يكونوا بنفس الصفة تلك، ومن هنا بدأ في سياسة الإقصاء إلى درجة جعلت مستوى الثقة بين مكوّني النظام تصل إلى الحضيض.

وعند هذه النقطة المفصلية التي يتجلى فيها الشرخ واضحاً في بنية «المجموعة الإستراتيجية» يحدث ما ذهبت إليه فرضية البحث من أن أيَّ تغيّر في «بنية النظام» يستلزم، ضرورةً، التغير في «ديناميكيات حزب الإصلاح». لقد اتجه التيار القبلي في الحزب ناحية المُعارضة، ولاسيما مع دعم حميد لها، وإقرار أبيه له على ذلك من خلال صمته حيال هذا الأمر، وإنْ ظل في مواقفه العلنية موالياً للرئيس.

أما بالنسبة للشيخ الزنداني وجناحه السلفي داخل الحزب، فقد ظل موالياً لصالح. وقد اتسمت العلاقة بين الزنداني وصالح بالطابع التكافلي. وبعد اتهام الولايات المتحدة الأمريكية الشيخ الزنداني بالإرهاب وتقديم اسمه إلى مجلس الأمن بوصفه - حسب تلك الدعوى - داعماً لأسامة بن لادن والقاعدة، اشتعلت موجة من الجدل في الصحافة اليمنية في الأعوام 2003 و2005 و2006 حول الزنداني وتلميذه المؤيّد الذي اُحتجز في ألمانيا وأُرسل إلى أمريكا بدعوى «الإرهاب». غير أن الرئيس صالح ظل يردد بأنه طلب من أمريكا إزالة اسم الزنداني من قائمة الإرهاب. وعلى الرغم من طلب الأمريكان من صالح تسليم الزنداني، فإنه ظل حريصاً على الحفاظ عليه باعتباره – للشعبية التي يحظى بها - عاملاً من عوامل استقرار نظامه.

افتتح صالح حملته الانتخابية في 2006 بحضوره حفل تخرج لدفعة من دفع جامعة الإيمان.. بينما افتتح بن شملان مرشح اليمين واليسار حينها حملته الانتخابية في ملعب رياضي
لقد دخل الإصلاح انتخابات 2006 في ظل هذا التشكل الجديد لحزبه، وفيه أصبحت موارد الفصيل القبلي مسخّرة لصالح مسار الحزب المعارض للنظام. أما الفصيل السلفي بقيادة الزنداني فقد ظل على ولائه للنظام، وقد بدا ذلك واضحاً في الحملات الانتخابية التي بدأت في أغسطس 2006. وبذلك غدا الحزب «حقل فعلٍ» لتلك الأطراف.

افتتح صالح حملته الانتخابية، في صورة رمزية دالة، أثناء حضوره حفل تخرج لدفعة من دفع جامعة الإيمان، وأعلن دعمه للجامعة ورئيسها. وأما مرشح المعارضة فيصل بن شملان الرجل التوافقي، وغير المنتمي إلى أي حزب، والمشهود له بالصدق والنزاهة، والمقبول من اليسار واليمين على السواء، والمتمرس على العمل السياسي في الجنوب وبعد الوحدة، فقد اختار واحداً من الميادين الرياضية مكاناً لبدء حملته.

وأكد بن شملان على أن التغيير لن يتم، ما لم يضطلع به الشعب نفسه. استمرت الحملات التي أدى فيها الإصلاح دوراً كبيراً من أجل إنجاح بن شملان وإحداث الاهتزاز الكبير في بنية النظام، ولم يتوانَ الشيخ الشاب حميد عن دعم حملة بن شملان.

وفي تصريح له إلى السفارة الأمريكية قال إنه قادر على تأمين ولاء القبائل لمُرشح المعارضة وتسيير المسيرات المؤيدة له في العُمق القبلي الشمالي (عمران)، وذلك ما تم فعلا، رغماً عن محاولة صالح وأبنائه إخراج مسيرة مؤيدة له بعمران نفسها، ومحاولة الإعلام الرسمي رسم صورة أخرى مخالفة لما حصل.

ظل الشيخ عبدالله الأحمر بعيداً عن أجواء الحملات؛ كونه لا يزال حتى ذلك الحين في رحلته العلاجية بالسعودية. لقد كان صالح يشعر بالمرارة للنشاط البارز الذي أبداه الشيخ الشاب. ولعلً ذلك الأمر هو الذي حدا بالشيخ عبدالله الأحمر إلى أن ينتقد ابنه في تصريح أدلاه لصحيفة 26 سبتمبر، مرجعاً ما بدر من حميد بأنه مجرد دعاية انتخابية.

وفي اليوم ذاته، صرح الشيخ ل«الصحوة»، لسان حال حزب الإصلاح، بأن ما أبداه من موافقة للرئيس صالح شأن شخصي ولا يترتّب عليه أي التزام للرئيس ولا لأي حزب.

في نهاية المطاف، فاز صالح بنسبة 77 بالمائة، وهي نسبة محسوب حسابها كإجراء الانتخابات نفسها، والمُراد منها هو إسناد شرعية النظام المتهاوية.

بعد وفاة الأحمر وتهميش دور الزنداني في الحزب أصبح بمقدور الجماعة القادرة على الصراع أن تصادم النظام وأن تحتفظ بتحالفها الاستراتيجي في إطار «اللقاء المشترك»
اطمأن النظام لنجاحه، وأمعن في ممارسة تركيز السلطة في أيدي محتكريها، وتمهيد الطريق لخلافة أحمد علي لأبيه. ورغم ذلك، فإن الانتخابات أسفرت عن تشكل جديد للإصلاح، أصبح يتحالف فيه الفصيل القبلي والفصيل الإخواني جنباً إلى جنب في معسكر المُعارضة، فالشيخ حميد مال نحو المعارضة بصورة جلية، واكتفى والده بالتراخي مع المجموعة الإصلاحية القادرة على الصراع رغم بقائه في دائرة الجماعة الإستراتيجية.

أما الفصيل السلفي بقيادة الزنداني، فقد ظل موالياً للنظام طيلة الفترة الانتخابية؛ كون مصالحه لازالت تقتضي البقاء في صف النظام، وهو الأمر الذي مكّن لهذا الفصيل من التمدد في السنوات التي تلت الانتخابات.

وعلى الرغم من النتيجة الظاهرة للانتخابات، فقد استطاعت أحزاب اللقاء المشترك خوض الانتخابات دون اللجوء إلى العنف، وأصبح بمقدورها إيصال رسالتها إلى الجمهور في ظل منافسة سلمية لم يكن النظام يرغب في أن تكون كذلك؛ ولذلك لجأ النظام بعد إغلاق ملف الانتخابات إلى إغلاق فضاء الفعل السياسي وفرض حالة من الجُمود، وهو الأمر الذي يؤكّد ما تذهب إليه الدراسات المختصة بطبيعة الأنظمة الشمولية التي تُمارس اللعبة السياسية «وكأنها ترسم بالمنقلة دائرة تضيّق فيها حدود المشاركة وتوسّعها وفقا للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها». وعلى الرغم من كل تلك المناورة، ظلت أزمة مشروعية النظام قائمة، وهو الأمر الذي سمح للجماعة القادرة على الصراع في حزب الإصلاح على تعميق تلك الأزمة عن طريق استخدام مواردها وقدراتها التعبوية، والعمل على تسيير المظاهرات ومُمارسة المقاطعة السياسية، وهو الأمر الذي كانت له انعكاساته السلبية على نظام صالح.

في الفصل السابع، تتطرّق الدراسة إلى النقطة الثانية من المجال الزمني للبحث، وهي انتخابات 2009 البرلمانية، وقد أتت هذه الانتخابات بعد نشوء تراتبية جديدة داخل الحزب، أصبح فيها للجماعة القادرة على الصراع (الإخوان وحليفهم الجديد الشيخ حميد) المكانة الأولى، وأصبح للجماعة الإستراتيجية مكانة ثانوية، فبعد موت الشيخ عبدالله الأحمر وتهميش دور الزنداني في الحزب وميله إلى مُمارسة أدواره في حقول أخرى (جامعة الإيمان وهيئة العلماء)، أصبح بمقدور الجماعة القادرة على الصراع أن تصادم النظام وأن تحتفظ بتحالفها الاستراتيجي مع بقية قوى المعارضة في إطار منظومة أحزاب «اللقاء المشترك». وقد تعلمت المعارضة من انتخابات 2006 بأنها إن دخلت في انتخابات 2009 فإنها ستُساعد في إضفاء الشرعية على النظام، ومن هنا كان اختيارها مقاطعة الانتخابات لاسيما أنه أصبح بمقدورها تحريك الشارع وتعبئة الرأي العام. وممّا شجعها على هذه الخُطوة أن الاتحاد الأوروبي أعلن أنه لن يراقب الانتخابات في ظل مقاطعة المعارضة. وبذلك لم يبقَ أمام النظام الذي يُعاني من أزمة فادحة جراء الحراك الثوري في الجنوب، والسخط العارم في الشمال إلا أن يؤجّل الانتخابات حتى تتم الإصلاحات السياسية والاقتصادية المرغوبة. وبمقاطعة هذه الانتخابات أصبح حزب الإصلاح وأحزاب المعارضة خارج لعبة «تدوير الأطباق» التي أجادها النظام سنوات عديدة. وبذلك استطاعت الجماعة القادرة على الصراع مع منظومة المشترك على تفويت الفرصة على النظام بعد أن كانت تقدمها له مجاناً، واستطاعت بذلك، أيضا، أن تصيب شرعية النظام في مقتل.

مطلع 2011 بادرت المعارضة إلى الانضمام إلى الاحتجاجات حتى لا تفقد شرعيتها في النظام القادم، وقد أسعفتها الإمكانات التي تتوفّر لدى حزب الإصلاح في مُمارسة الضغط على النظام
وأخيرا يتعرض الفصل الثامن لحال «الإصلاح في الربيع العربي 2011»، عندما انطلقت قوة ثالثة ليست من القوى المسيطرة على الحكم، ولا من قوى المعارضة، تجوب شوارع المحافظات اليمنية مطالبة بإسقاط النظام امتداداً لموجة تونس ومصر وتوازياً مع الموجة الليبية ثم السورية. لقد أتاح هذا الخروج الكبير فرصة سياسية سانحة للقوى المعارضة، ومنها الإصلاح، الذي أصبح كتلة معارضة موحّدة بعد موت الأحمر وتهميش دور الزنداني. ففي ظل الزخم الثوري لهذه الجماهير الغفيرة أصبح بمقدور قوى المعارضة المناورة بحُرية دون خوفٍ من قمع السلطة وإرهابها.

وفي الطور الأول من هذه الانتفاضة، الذي أعقب سقوط مبارك في مصر، والذي هبّ فيه المتظاهرون من فضاءات متعددة ليس لأحزاب اللقاء المشترك أي تأثير عليها، بادرت أحزاب المعارضة إلى الانضمام إلى حركة الاحتجاجات حتى لا تفقد شرعيتها في النظام القادم، وإن كان لا يزال في ضمير الغيب. وقد أسعفتها الإمكانات التي تتوفّر لدى حزب الإصلاح في مُمارسة الضغط على النظام، وتم لها ذلك عن طريق الاستقواء بموجة الاحتجاجات العارمة. وعند هذا المنعطف، ينضم الزنداني إلى المتظاهرين؛ خوفا من فقدان الشرعية، وعلى نفس المنوال يشارك مشايعوه في ساحات الاعتصام جنباً إلى جنب مع غيرهم.

في الطور الثاني من الانتفاضة الشعبية ينضم إلى معسكر المعارضين بقية «الجماعة الإستراتيجية» في النظام؛ اللواء علي محسن الأحمر والشيخ صادق الأحمر، وقد كان ذلك صبيحة «جُمعة الكرامة»، التي قتل فيها أكثر من خمسين متظاهراً في صنعاء. وقد كان هذا الانشقاق بداية التصدّع في بنية «الهيمنة» التي ظل النظام محافظاً عليها على مدار سنوات طويلة.

وعلى إثر الضغط الدولي الذي وصل ذروته في نوفمبر من العام نفسه، أُجبر صالح على ترك السلطة ناقلاً إياها إلى نائبه عبدربه منصور هادي. وبتشكيل حكومة الوفاق الوطني، تقدّمت المعارضة خطوة أكبر في سبيل إزاحة جزء كبير من هيمنة الجماعة المتمكنة من مقاليد الأمور.

وعلى هذا الأساس، تُثبت الأداة النظرية (المجموعات القادرة على الصراع والمجموعات الإستراتيجية) قدرتها التفسيرية العالية في مقاربة المجتمعات السياسية ذات الطابع الأبوي الجديد.

المعطيات تشير إلى أن حزب الإصلاح سيشهد إعادة هيكلة داخلية ستؤول لصالح الجماعة القادرة على الصراع (الإخوان) وسيكون بمقدور الحزب التخفف من أعبائه التاريخية
وبناءً على كل ذلك، تصل الباحثة إلى عددٍ من الاستخلاصات النظرية المتعلقة بقدرة المعارضات على أن تكون مُهددة لاستقرار الأنظمة ذات الطابع الشمولي:

1- على الرغم من تأثير العوامل التنظيمية (نظام حزب ما مثلاً) على الفاعلين، فإن تأثير الذوات الفاعلة ذو أهمية خاصة. فالرغبة في الدخول في تحالفات عابرة للأيديولوجيات من أجل مُجابهة النظام أمر لا ينبغي إغفاله عند البحث عن الإجابة عن سؤال كيفية تحدّي المعارضة للنظام ومدى قدرتها على زعزعة استقراره.

2- قدرة المعارضة على الصمود أمام سياسة «فرّق تسد» أمر ذو أهمية بالغة عند مجابهة النظام.

3- تعاون النخب السياسية الراغبة في تغيير سياسة الأمر الواقع أمر جوهري من أجل الوقوف في وجه النظام بنجاح.

4- يتوقف التغيير السياسي على الاستمرار الدائب، وعلى قدرة القوى المعارضة على التعلم السياسي وتبنّي ما ثبت نجاعته من السياسات، وما ثبت فاعليته من الظروف والملابسات.

5- من أجل فهم كيفية مجابهة القوى المعارضة للأنظمة لا بُد من الاعتراف بمصالح وأيديولوجيات الفاعلين من الأفراد والجماعات. فبعض الفاعلين الذين لا يريدون التغيير الثوري قد يكونون مع حصول إصلاح تدرجي. وهذا ذو دلالة مهمة عند محاولة معرفة كيفية تصرّف الفاعلين عند تعرّض الأنظمة لتحدٍ ما.

في نهاية بحثها، ترى الباحثة أنه ليس من سبيل دراستها التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في اليمن عامة، وداخل حزب الإصلاح خاصة، غير أن المعطيات تشير إلى أن حزب الإصلاح سيشهد إعادة هيكلة داخلية ستؤول لصالح الجماعة القادرة على الصراع (جماعة المعارضة: الإخوان)، وبذلك سيكون بمقدور الحزب التخفف من أعبائه التاريخية، خصوصاً مع انعدام الفرصة أمام الفصيل القبلي في أن يلعب دوراً مهماً في المرحلة القادمة، ومع تهميش الجناح السلفي الذي سيؤول أمره إلى تشكيل حزب سلفي أو غير ذلك.

ومن دلالة عنوان البحث، يستطيع المرء أن يرى أن الثنائية الضدية قد طغت على مسار البحث بين سلطة ومعارضة، فجالوت (رغم عدم إشارة الباحثة إلى أي دلالة للعنوان أو لسبب اختياره) رمز التسلط والاستحواذ في الذاكرة الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، يقف عاجزاً منهزماً أمام بسطة العلم والجسم لطالوت (حسب السردية الإسلامية) وقوة نبوة داود (حسب السردية المسيحية اليهودية). وهو الأمر الذي يعزز تلك الثنائية الضاربة في عُمق التاريخ الإنساني بين القوي المتسلط ظاهراً، وهو ضعيف، والضعيف المهزوم ظاهراً وهو قوي، حسب الصياغة «التاوية» للمعادلة.

بيد أن مُعطيات الواقع السياسي اليوم تشير إلى أن اليمن تشهد حالة من الصراع المتعدد الأقطاب، وهي حالة متأتية من توفّر الفرصة السياسية بعد فترة الحرمان والجمود السياسيين. وهو الأمر الذي يرشح الحالة اليمنية - في حال نجاح الحوار الوطني- إلى أن ينجز نظاماً سياسياً متعدداً تغيب فيه حالة الثنائية القطبية بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، كما هي الحال في تونس ومصر، وحالة الاستحواذ الأحادي، كما كانت الحال قبل ثورة الربيع العربي.

.......................
عبد السلام الربيدي: أكاديمي وباحث في المركز اليمني لقياس الرأي العام.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.