أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكُهُ والرسل في المسجد الأقصى على قدمِ لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلمِ صلّى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتممِ جُبت السماوات أو ما فوقهن بهم على مُنوِّرةٍ درية اللجُمِ مشيئة الخالق الباري وصنعتهُ وقدرة الله فوق الشك والتُهمِ حتى بلغت سماءً لا يُطار لها على جناحٍ ولا يُسعى على قدمِ وقيل كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرشُ فاستلمِ «من نهج البردة للشاعر أحمد شوقي»
يا سيد الرسل الكرام هذه ذكرى رحلة الأرض في شخصك نحو السماء.. وذكرى مسراك من حرم إبراهيم عليه السلام بمكة إلى قدس الأقداس بالشام تمر علينا ونحن نشهد ما تراه. هذه ذكرى الآيات الكبرى تظلنا ونحن نعيش كل نكبات أمة أخرجها الله على يديك من الظلمات إلى النور حتى سادت البشرية كلها، ونقلت إلى العالم رسالة السماء الخاتمة بأزهى حللها وأطهر تعاليمها، فأبى الأدعياء فيها إلا أن يعيدوها إلى الظلمات ويبيعون طهرها وسموها بأبخس الأثمان. يا سيد الرسل الكرام ذكرى مسراك ومعراجك يستمطر الدمع ويستنزفها من مآقينا ليس خشوعاً لذلك الحدث الجليل الذي توّج الله به رسالتك الكبرى، وحُقّ لها أن تخشع في ذكرى لقاء الأرض بالسماء؛ ولكن ألمًا لما حلّ بنا وبأرض مسراك وأولى قبلتيك في هذه الفترة المظلمة من تاريخ أمتك. يا سيد الرسل الكرام.. ماذا يقول مثلي لمثلك يا سيد الكونين.. وأنت الذي قال الله لك: (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ..) وهل يغيب شاهد رب العالمين عما يدور في الكونين حتى يبلّغه ذو عينين قاصرتين مثلي؟!.
هل أبلّغك أنّا منذ نيف وستين عاماً ننتظر تحرير فلسطين؛ فلم تتحرر.. واسترقوا بعدها غيرها من بلاد المسلمين. أم أقول لك إن بيت المقدس قد لحقت بفلسطينالمحتلة منذ نيف وأربعين عاماً، واحتل اليهود بها مسراك. أم أقول لك إن بلاد الرافدين استباحها الغزاة من أعداء الله والصهاينة ومن آزرهم من أحفاد ابن العلقمي وقتلوا فيها أطهر أتباعك والمؤمنين برسالتك والمجاهدين في سبيل كرامة أمتك والإنسانية جمعاء، وشردوا الملايين من عباد الله فيها، ويتّموا ورمّلوا من تبقى بقتل مئات الألوف من بنيها الشامخين الأحرار. أم أقول لك إن الصومال وافغانستان وباكستان تشقى ببنيها مثلما تشقى كثير من بقاع أرض العرب والمسلمين؟!. أم أقول لك إن كثيراً ممن لهم نفس أسمائنا ويحملون نفس السحنات التي نحملها أضحوا يتباهون بخدمة الأعداء ويحققون مشيئتهم في بلادنا اليمن وكل بلاد العرب والمسلمين؟!. يا سيد الرسل الكرام لست بحاجة أن أبلّغك، فأنت الشاهد في حضرة القرب؛ ولكننا نطمع أن نكون منك على ذكر وأنت في حضرة رب العالمين، فقد بلغت القلوب الحناجر، وخذلنا الأقربون والأباعد.. ولم يبق إلا وجه الله قبلة ورحمته التي وسعت كل شيء. ولن يخذلنا الله بشفاعتك ولن يكلنا إلى أنفسنا فيشمت بنا الأعداء.