في عدد الأربعاء الماضي تناولت موضوع الرق (العبودية)، وموضوعنا اليوم لايختلف كثيراً عن الموضوع السابق، وهو موضوع تهريب الأطفال ،فقد عقدت ورشة عمل تدريبية خاصة بدعم التكوين القانوني بالنصوص الدولية المصادقة عليها والوطنية لمكافحة تهريب الأطفال ،وذلك في محافظة الحديدة خلال الفترة من 10 12 يوليو 2010م. وقد أثارت الورشة الكثير من التساؤلات كما سلطت الضوء على مناطق مظلمة في هذه القضية، وهذه المشكلة ليست بحاجة إلى الضجيج الإعلامي بقدر ماهي محتاجة إلى مشاركة رسمية ومدنية لحل هذه الظاهرة الخطيرة فهي مشكلة تمس كرامة الإنسان ،وليس أي إنسان بل هو طفل لايملك من أمره شيئاً وهو بحاجة إلى (بيئة حامية) توفر له مايحتاج إليه لينشأ سليماً من الانحرافات ،التي تضر به أولاً ثم بالمجتمع ثانياً. لقد تمكنت قوى الأمن من ضبط من يهربون يمنيين إلى خارج اليمن بهدف بيع أجزاء منهم ،كقطع غيار كالُكلى وغيرها فقد استغلت عصابات التهريب وهي من خارج اليمن عوز هؤلاء وفقرهم، وقدمت لهم الأماني بالغنى والثراء ،وهناك عصابات تتولى تهريب الأطفال إلى دول الجوار ليمتهنوا التسول ،وربما وقعوا تحت الاستغلال بأنواعه والأغرب أن بعض آباء وأولياء أمور هؤلاء الأطفال هم الذين يدفعوا بهم إلى عصابات التهريب وهو أمر خطير. توجد صعوبة أخرى في محاربة هذه الظاهرة أو الحد منها إذ كيف يمكن للدولة مراقبة كل تلك الحدود الطويلة لتمنع تهريب الأطفال وهل يجب أن تضع على الحدود عسكرياً لكل طفل؟ بالطبع لا يمكن ذلك إذن لابد من التعاون بين كل المعنيين، وكلنا معنيون بهذه القضية لقد كشفت هذه المشكلة عن قصور قانوني ،وعدم وجود عقوبات رادعة لمن يتاجر بالأطفال ،وعدم وجود دراسة كافية لمعرفة الأسباب التي أدت إلى نشر هذه الظاهرة ،ونحن نعلم أن الفقر والجهل أساس كل مشكلة ولكن هذا كلام عام يحتاج إلى تفصيل ,وعقد مثل هذه الورشة قبل اتخاذ أي إجراءات بما يسهم في إيجاد حلول علمية ناجعة ,والأغرب أن عصابات استغلال الأطفال أصبحت تمتلك فروعاً في أكثر من بلد عربي بحيث يأتي خبراء النشل والسرقة وغيرها من الجرائم ،من خارج الوطن ليدربوا أطفالنا على ارتكاب هذه الجرائم ،ويتم الدفع لهؤلاء بالعملة الصعبة فقد قبضت أجهزة الأمن على أحد هؤلاء المدربين كما أن أحد الأطفال الذين ألقي عليهم القبض في دولة مجاورة ،اعترف بأنه تدرب على يد خبير من دولة عربية شقيقة. إن مستقبل الطفولة سيكون في خطر شديد إذا لم نتكاتف لوضع حدٍ لمثل هذه الظواهر وهناك احصائية رصدت عدد الأطفال الذين هربوا في النصف الأول من هذا العام 2010م بلغ عددهم إلى 329 ،ولك أن تتخيل معي عدد الأطفال الذين لم ترصدهم هذه الإحصائيات. وهناك ظاهرة التسول من قبل البعض ممن حصل على لقب (شيخ) وذهب ليتسول بهذا اللقب فأساء إلى الوطن ..ولكن ولله الحمد تمكنت الأجهزة المعنية من الحد من هذه الظاهرة نوعاً ما. إن مشكلة الرق التي صدمتنا بها في الأسابيع الماضية والتي تجري الآن معالجتها لاتنقص عن هذه القضية ،فهناك تلازم بين الاثنين ولابد من السعي الجاد لإعادة الكرامة إلى هذا الإنسان وقد يكون من المفيد أن أعرض لأهم توصيات الورشة المذكورة ،والي يمكن أن تسهم حال الأخذ بها من الحد من هذه الظاهرة، وأهم هذه التوصيات: إضافة نص يشدد العقوبة بشأن الرق. حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والعروض الإباحية. إيجاد بيئة حامية كالملاجئ المؤهلة. معالجة الأسباب الرئيسية للتسول في المناطق المستهدفة . تشديد العقوبات في الأحكام من قبل القضاة في المحاكم بحسب شدة خطورة الجرائم. إنشاء دور رعاية للأحداث في المناطق الحدودية ,حيث يتم ضبطهم مع توفير باحثين نفسيين ومتخصصين اجتماعيين. العمل على إيجاد اتفاقية مع دول الجوار لحماية الأطفال الذين يتم ضبطهم وإعادتهم بصورة محترمة ولائقة. التوعية الإعلامية بمخاطر تهريب الأطفال. توفير الضمان الاجتماعي للأسر الفقيرة بما يضمن لها العيش الكريم. والحق أن الفساد الذي لم يترك مجالاً من المجالات في وطننا العربي الكبير له دور كبير في صناعة الفقر ؛فقد ذكرت إحصائيات منظمة الشفافية العالمية أن الفساد يلتهم مايزيد عن الثلث من مقدرات الأمة ،وأن الفقر يزيد بزيادة الفساد ،فالعلاقة طردية بينهما. وهذه الظاهرة موضوعنا من بركاته وإذا لم يكن المهربون فاسدون فمن الفاسد إذن؟!