يعتبر القرن العشرين من أكثر فترات التاريخ عنفاً وأكثرها دموية، ويكفي لنا العودة بفكرنا إلى ماحدث من مذابح ومجازر وتدمير وتشتيت للبشر خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فضلاً عن الحروب الإقليمية والمحلية بين مختلف الشعوب وبخاصة العالم الثالث وعلى إثر هذه الأحداث والحروب تولد لدى الناس شعور بعدم الارتياح والانزعاج والإحباط إزاء الواقع الملموس. ولقد تعددت أسباب اللجوء إلى العنف الذي يصل إلى حد القتل والتدمير وكانت ممارسات العنف والقسوة والتعذيب في بعض المجتمعات مصدر إزعاج وقلق وتسلية وترفيه للجماهير بما يشبه مصارعة الثيران في إسبانيا أو صراع الديكة في عدد من المجتمعات الأخرى. فالعنف لايقتصر على سلوك بني الإنسان إزاء بعضهم بعضاً بل يتعدى ذلك إلى أشكال الحياة المجتمعية بحيث يذهب البعض إلى اعتباره عنصراً أساسياً في التكوين البيولوجي للإنسان. وعلى الرغم من الشعور العام بأخطار العنف على حياة المجتمع ككل وضرورة التصدي له بمختلف الوسائل بما في ذلك اللجوء للعنف المضاد، رغم مافي ذلك من مفارقة غريبة فإن هناك من المفكرين من يرى أن للعنف جانباً إيجابياً لايمكن إغفاله لدوره في صنع الحضارة الإنسانية التي يهدد العنف أيضاً وجودها. فمجال ومظاهر وأفعال العنف تتصدى مجال الحرب والإرهاب، وإن كانا يمثلان العنف في أقصى درجاته من القسوة والدمار والخراب وإلحاق الأذى بالآخرين فالعنف سلوك له تأثيراته السلبية على العلاقات الأسرية وبين البشر بما في ذلك العلاقات الأسرية المباشرة فالعنف العائلي يزداد انتشاراً وفظاعة وفظاظة في جميع أنحاء العالم لأسباب مختلفة كثيراً ماتكون لاتستدعي التصديق بها بيد أن العنف الذي يتعرض له الأطفال سواء داخل العائلة أم في المدرسة أم في الشارع وهي مشكلة تناولها تقرير هيئة الأممالمتحدة عن العنف ضد الأطفال والبرنامج العالمي لحقوق الإنسان والعقد العالمي 2010-2001م لثقافة السلام وعدم العنف ضد الأطفال في العالم فضلاً عن الندوات والمؤتمرات التي تعقدها اليونسكو مما يشير ذلك إلى مدى انتشار وخطورة ذلك السلوك عالمياً وعربياً وإسلامياً. ولم تقتصر كل هذه المعالجات والندوات على رصد أفعال العنف، بل تطرقت إلى آثاره على الصحة العقلية وبخاصة على الأطفال والنساء والعنف غير المباشر الذي يتخذ شكل التهديد والوعيد وتوجيه الإهانات والشتائم وكذلك العنف الذي تمارسه علناً بعض الجماعات والعصابات الإجرامية. وانتشار العنف على مستوى العالم جعل منه نمطاً سلوكياً فرض نفسه على الحياة اليومية المعتادة وغالباً ماتنشأ ثقافة العنف استجابة للأوضاع المتردية والشعور بقسوة الحياة وتعرضهم للظلم والتهميش نتيجة الفقر والبطالة والفساد والتفاوت الاجتماعي الصارخ والخلل والتفكك الاجتماعي وهي ثقافة تمثل نوعاً من التمرد على تلك الأوضاع والتحدي لسلطة المجتمع ويساعد على ترسيخ وتعميق تلك الثقافة الفرعية واستمرارها وانتشارها على نطاق واسع الدور السلبي الذي تقوم به وسائل الإعلام المختلفة بما تنشره من أحداث العنف بصورة مثيرة وبطابع العنف والإثارة.