على الرغم من كل ما حققته الحضارة من تقدم ورقي وعلى الرغم من كل شعارات المحبة والسلام التي ترفعها المنظمات الدولية ويدعو إليها الكثيرون من مفكري العالم وعالمنا العربي والإسلامي إلا أن القرن العشرين يعتبر من أكثر فترات التاريخ عنفاً وأكثرها دموية، ويكفي أن يعود الإنسان بفكره إلى ما حدث ويحدث من مذابح ومجازر وتدمير وقتل وتشريد واختطاف للبشر خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية فضلاً عن الحروب الإقليمية والمحلية بين مختلف الشعوب وبخاصة في العالم الثالث. إن مجال ومظاهر وأفعال العنف تتعدى في بعض الأحيان مجال الحرب والإرهاب وإن كانا يمثلان العنف في أقصى درجاته من القسوة والدمار والخراب وإلحاق الأذى بالآخرين، فالعنف سلوك له تأثيراته السلبية على العلاقات بين البشر في المجالات والحالات التي تبدو بمأمن وهدوء كما هو الشأن بالنسبة للعلاقات الأسرية الحميمة فالعنف العائلي يزداد انتشاراً في جميع أنحاء العالم لأسباب مختلفة كثيراً ما تكون تافهة ولا تستدعي العدوان والاعتداء. والأمر نفسه ينطبق على العنف الذي يتعرض له الأطفال والطلاب سواء داخل العائلة أو في المدرسة أو في الشارع وهذه مشكلة تناولها تقرير هيئة الأمم العالمي لحقوق الإنسان والعقد العالمي 20012010م لثقافة السلام وعدم العنف ضد الأطفال في العالم والطلاب والطالبات في المدارس فضلاً عن الندوات والمؤتمرات التي عقدتها اليونسكو مما يشير إلى مدى انتشار وخطورة ذلك السلوك على مستوى العالم العربي والإسلامي ولم تقتصر كل هذه المعالجات والندوات على رصد أفعال العنف الفيزيقي أو البدني بل كانت تتطرق آثاره على الصحة العقلية والذهنية المدرسية وبخاصة الأطفال والنساء كما تتناول العنف غير المباشر الذي يتخذ شكل التهديد والوعيد إلى الإهانات والشتم إضافة إلى العنف الجسدي أو الجنسي وصوره العديدة في إطار العلاقات الزوجية المشروعة وانتشار العنف يجعل منه نمطاً سلوكياً يفرض نفسه على الحياة اليومية المعتادة. ويشير د. أحمد أبوزيد عالم انث وبولوجي مصري في مقال قيّم في مجلة العربي الكويتية العدد 614/يناير 2010م بأن ثقافة العنف تنشأ استجابة للأوضاع المتردية التي يعاني منها بعض فئات المجتمع الذين يشعرون إزاءها بقسوة الحياة وتعرضهم للظلم والتهميش نتيجة الفقر والبطالة والفساد والتفاوت الاجتماعي الصارخ مؤكداً في مقاله أنها وليدة الخلل والتفكك الاجتماعي وتمثل في الوقت ذاته نوعاً من التمرد على تلك الأوضاع عبر التحدي والنقد الصارخ. ولمح د.أبوزيد أن ما يساعد على ترسيخ تلك الثقافة هو الدور السلبي الذي تقوم به وسائل الإعلام المختلفة وبما تنشره من أحداث العنف يفوق التصور والخيال وبما تبثه من برامج يغلب عليها طابع العنف والإثارة بما يشجع الشباب على محاكاتها والاقتداء بها في حياتهم اليومية وفي تعاملهم مع الآخرين. وخلص من مقاله أن الإحصائيات تدل أن حوالي 70 %من جرائم القتل التي تبلغ خمسة وعشرين ألف حالة سنوياً في الولاياتالمتحدة مردها إلى تأثير التلفزيون وعرضه المثير والمشوق لأشكال الجرائم المختلفة. وقال في هذا السياق في حديثه عن الوسيلة الناجعة في محاربة العنف هي نوع التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية وبخاصة عن وسائل الإعلام وسلوك الطرق التربوية في المدارس لمعالجة الأخطاء اليومية دون اللجوء إلى العنف التربوي القاسي العنيف بمساعدة الأسرة والإدارات المدرسية إضافة إلى الاهتمام بالعمل الثقافي والتوعية الفكرية والندوات والمكتبات المدرسية.