على الرغم من أن الإسلام يعترف بالكائن البشري كما هو إلا أننا في تعاملنا مع صغارنا وأطفالنا بعيدين عن تفهم هذه الحقيقة الخالدة، فقد شاعت مؤخراً في أدبيات الخطاب الدعوي المعاصر موجة الحديث عن إزعاج الأطفال وصخبهم داخل المساجد وربما سمعت من يوجه اللوم الصريح والضمني للآباء والأمهات الذين يصطحبون أبناءهم الصغار معهم لتأدية الصلاة وهنا لا نملك أمام صف الخطاب السائد والمطالبة الغريبة إلا الاعتراف الموجع أننا نعيش نوعاً من التناقض المرير، إذ في الوقت الذي ننتظر خروج جيل مسلم يحافظ على الصلاة ويحرص على أفضلية تأديتها مع الجماعة في الوقت ذاته نعلن تذمرنا وضيقنا من وجود الصغار داخل بيوت الله. فكم نحن بحاجة إلى تفهم حقيقة أن منع الطفل من ارتياد المسجد سيحرمه من الخير الذي ليس أوله الاعتياد على رؤية الراكعين والساجدين وليس آخره محبة المسجد والارتباط الروحي به وجعله بكل خيراته الإطار المرجعي المتضامن ،وإرشاداتنا بخصوص أن هذه المطالبة الخاطئة مع تشددها وانغلاقها لم تكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي صحابته. بل الذي تنقله كتب السيرة والسنة خلاف ذلك ولاشك فالنبي صلى الله عليه وسلم شاهد الأطفال في مسجده وسمع صراخهم وبكاءهم ولم يعترض على فكرة إدخالهم المسجد ولم يطالبهم بأن يبقوا بعيدين عن مواضع الصلاة أو يلتزموا الهدوء والصمت، بل وإن الدهشة تأخذك وتستولي عليك وأنت تتأمل في بعض مواقفه حكمة وحلماً وتسأل نفسك أين نحن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يتعمد التباطؤ في الرفع من السجود ليس لشيء إلا تعاطفاً مع صغيره الذي شاغبه واستغل وضعية سجوده فركب على ظهره ببلادة متناهية وباستمتاع لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسده على صاحبه بل وأين نحن منه وهو يحمل حفيدته الصغيرة أمامة بنت أبي العاص على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها لا يفعل ذلك وهو يصلي منفرداً فحسب وإنما يفعله وهو يؤم الناس مصلياً بهم ليريهم ويزرع فيهم أن الطفل يبقى طفلاً داخل المسجد كما هو خارجه وأن براءة الأطفال وشغبهم لا تقلل من هيبة المسجد ولا تحد من وظائفه ولا من حجم مكانته وعلو شأنه في نفوس الناشئة. وعلى هذا فليس صحيحاً أن نملأ نفس الطفل هيبة ورعباً في المسجد ونشعره إنه إن أراد الدخول للمسجد فعليه أن يلتزم بمجموعة شروط منها أن يظل صامتاً ولا يحرك يديه ولا قدميه ونجعله يفضل البقاء حراً خارج المسجد على البقاء داخله تحت قيود وضوابط لا تستوعبها مرحلته العمرية ولا نطبقها. والشيء الذي يجب أن نفهمه ان الصغير كائن ديناميكي تخضع خصاله النفسية وعلاقاته بالبيئة الاجتماعية من حوله للتغير حتى يصل بناؤه النفسي إلى مستوى مرضٍ من الارتقاء الخلقي الذي يجعله قادراً على تمييز أنماط السلوك المقبولة والمرفوضة وحينها نستطيع أن نطالبه بما نشاء وما لا نشاء ثم إن من التضييق المؤدي إلى أبعد الحدود أن نظل ننتقد الآباء والأمهات الذين يفضلون اصطحاب صغارهم للمساجد مما يجعلهم يعيشون قلقاً وضغطا نفسياً خشية أن يصدر من أبنائهم سلوك طفولي بريئ يزيد من حجم انتقادنا المتسرع لهم ويحصرهم في دائرة الخطأ الذي تقع عليه وحده مسئولية عدم خشوع الناس في صلاتهم. وإضافة إلى ما قلناه في هذه الزاوية المهمة إن هناك مسئوليات على درجة من الأهمية يتحملها أئمة المساجد ولجانها العامة والمعلمون في حلقات تحفيظ القرآن الكريم للوعظ والارشاد والوعي للمشاركين في هذه الحلقات من الطلاب والأطفال بهدف التقيد بصورة كاملة ويومية بكافة الارشادات المنظمة والمؤدية حفظ النظام وتأدية الصلوات بكل خشوع وطمأنينة وهي موصولة إلى الآباء والأمهات لإعطاء أطفالهم الارشادات والنصائح بهدف احترام قدسية المساجد وأداء الصلوات بكل هدوء ودون عمل الفوضى والعبث بمحتويات المساجد من المصاحف.