الحرب ظاهرة إنسانية وهي نادرة الوقوع في عالم الحيوانات أو الحشرات إلا عند بعض طوائف النمل وعلى نحو مقنن وبسبب الطعام. والحرب في التاريخ الإنساني كانت في الأغلب من البدو في هجومهم على خيرات الفلاح. وفي التراث الإنساني تخلد هذا الصراع بين ولدي آدم قابيل وهابيل. الأول هو الراعي والثاني هو المزارع. وكانت الحرب تأتي بفوائد وفيرة في نهب خيرات الآخرين وتموين المجتمع الحربي بآلة الرقيق التي هي الآلة العضلية الإنسانية. هكذا فعلت روما والصين وحضارات أمريكا وهكذا فعل من زرع أشجار القهوة في جزر المارتينيك من البحر الكاريبي. فقد جاء في بعض الروايات أن الملك لويس الرابع عشر تلقى هدية شجرة قهوة. وكانت هذه الشجرة قد نقلت من مدينة المخا اليمنية وأخذت الموكا اسمها منها نقلها الهولنديون إلى جزيرة جاوة في أندنوسيا التي استعمروها. ومنها جاءت هدية إلى الملك الفرنسي. تقول الرواية إن الشجرة زرعت في الحديقة الملكية عام 1714م وبعد سنوات قليلة جاء ضابط فرنسي هو جابريل دو كليو من جزر المارتينيك فطلب من الملك شتلة من الشجرة فرفض طلبه. فتسلل الضابط سراً إلى الحديقة وسرق النبتة وهرب بها إلى جزيرة بحر الكاريبي وهناك قام بزرع الشتلة وفي خمسين عاماً انتصبت 18 مليون شجرة. ولكن السؤال: من الذي اعتنى بهذه الشجرة ونماها إلى الحد المليوني؟ إنهم العبيد!! فكما سرقت الشتلة من حديقة الملك فقد سرق البشر من بيوتهم وكانت تورد فرنسا كل سنة ثلاثين ألفاً من العبيد المسروقين من بلادهم يموت نصفهم في الطريق ليعملوا في مزارع البن في المستعمرات الفرنسية خاصة أن القهوة تأتي بعد البترول في القيمة العالمية. واستمرت فرنسا طوال قرنين تمارس هذه العادة الجهنمية حتى تمرد العبيد في جزيرة هايتي وخلعوا عن أكتافهم نير الاستعمار عام 1791م. وللعلم فقد وصل إلى البرازيل خلال قرنين أكثر من ثلاثة ملايين عبد مسروق من أفريقيا ليعملوا في حقول القهوة وخمسة ملايين في مزارع السكر. ونصف مليون إلى أمريكا الشمالية. واليوم في البرازيل يمتلك 10 % من السكان 55 % من ثروة البلاد في الوقت الذي يعيش السود في الذل المقيم والفقر المدقع. وهكذا فإن الحرب والرق أمران متلازمان. وكما يقول المؤرخ البريطاني توينبي إن ألعن مرضين ابتليت بهما البشرية هما الحرب والرق، ولكن بوش في حربه على العراق في ربيع 2003م لا يقول إنه سوف يستخدم العراقيين كعبيد في مزارع أمريكية بل يلوح بإسقاط النظام في البلد. فهنا اختلفت الشعارات ولكن الحرب مازالت تندلع فكيف نفهم الأمر؟ في الواقع لا بد من أخذ عدة نقاط في عين الاعتبار لاندلاع الحروب وأهمها هو أن مبررات الحرب انتهت فكما ألغي الرق فقد ماتت مؤسسة الحرب تبعاً لها. واليوم انتهت الحرب في شمال الأرض ولم تعد تشن إلا بين المتخلفين أو لتأديب المتخلفين. وهناك عدة أماكن استعصاء في العالم يمكن معالجتها بطريقة بطيئة بدون ضحايا إنسانية ولكن تحتاج إلى سياسيين من غير طراز بوش فالرجل كان مدمناً للكحول حتى الأربعين وهذا يعني أن نصف نورنونات الدماغ عنده محترقة. ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا.