بين الحين والآخر أحب الجلوس أمام معصرة السمسم التي يديرها الجمل صامتاً كعقارب الساعة تسير.. تسير.. دون أن تحدث آثاراً تذكر.. الحياة بمجملها تسير بنفس هذه الطريقة بنظام دقيق ولاشيء في الكون يغير مساره إلا نحن بني البشر.. حوّلنا طريقنا المستقيم إلى طرق متفرقة وعبثنا بكل ما من شأنه أن يشعرنا بالأمان والرضا وحوّلنا ثروات الأرض إلى ثورات ملونة بالرذيلة والأسى وأصبح الصراع هو اللغة البشرية المشتركة بين شعوب الأرض قاطبة.. وأصبحت العلاقات الدولية محدودة ومشروطة بمصالح معينة والعلاقات الأسرية أيضاً لها حدودها القائمة التي تمنع الجميع من رؤية حقيقية الآخر إلا عبر نفسه وما تمليه عليه رغبته في البقاء.. وهكذا تباعدت المنازل.. القلوب.. العقول.. المشاعر.. وانقطعت صلة الرحم تدريجياً حتى وصلنا إلى درجة العقوق التي تنتهي بهاوية الغضب الإلهي كونها من الكبائر.. العقوق لايعاني منه الوالدان فقط فحتى الإخوة يعقون بعضهم بعضاً ولو تأملتم شوارعنا لوجدتم أنها أصبحت مليئة بأطفال متجولين ورجال طاعنين في السن ونساء شاب شعرهن وتغضنت خدودهن كأسوأ ماتكون فهل تشكون ولو للحظة أن جميع هؤلاء ليس لهم بيوت تأويهم أو أهل يمنعوهم مسألة الناس؟!.. بلى لكل منهم أهل وعشيرة وقبيلة ولكن ليس لأهاليهم قلوب يعقلون بها كما أورد وصفهم القرآن الكريم.. إذ أصبحت صلة الرحم هماً ثقيلاً على قلوبهم.. وكلنا سمع مؤخراً عن حالات انتحار لأطفال سئموا النحت في جبل الفقر فعلقوا حبال اليأس حول أعناقهم ورحلوا لأنهم لم يجدوا من يأخذ بأيديهم إلى الضفة الأخرى لهذا النهر المتعكر بالجحود والعصيان. وهناك من يعتقد أن بعض المال في أوراق نقدية جافة من الحب والود في كل ما عليه فعله تجاه أهله أو الآخرين ممن هم بحاجة للمساعدة وهذا غير صحيح لأن رسولنا الكريم وجهنا إلى الكلمة الطيبة وإفشاء السلام وإعطاء الهدية وإجابة الدعوة كوسائل للاقتراب من قلوب الآخرين لأن لهذه القلوب أبواباً موصدة لاتفتح إلا بالحب والرحمة والعطاء الصادق.. أنا أدعوكم إلى مشاوير ضرورية جداً للخروج من دائرة العزلة والعقوق.. والمشوار الأول تستطيعون القيام به وأنتم في أماكنكم المغلقة حين تغمضون أعينكم وتطلقون سراح ضمائركم طوال عامٍ كامل ثم تسألون أنفسكم هل أديتم حق الله في والديكم والأقربين ممن تحملون بصماتهم على وجوهكم وأسمائكم؟! مشوار آخر في أحضان والديكم فلا شيء يقيكم مصارع الحياة الأليمة مثل دعائمها.. ومشوار آخر إلى أحضان أخواتكم الفتيات اللاتي يجدن فيكم سنداً وقوة.. ألقوا عليهن السلام وصلوا رحماً معلقة في عرش الرحمن تدعو من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله..وهل منكم من يصبر على قطيعة الرحمن؟! صدقوني أسوأ مايمكن أن تقدموه لأنفسكم هذا الجحود أمام من وهبكم نعمة الحياة بكل مافيها.. الآن يبدأ موسم أعلنت عنه السماء تكون فيه القلوب عاصمة للثقافة الدينية مع اعتماد الروح سفيراً فوق العادة لهذا الجسد العجيب الذي يشع كل مافيه بنور الرحمن. مشوار آخر إلى أقرب مقبرة حتى تقفوا على واقع الحياة بأنها فناء من بعد وجود ووجود من بعد فناء.. وحتى تتذكروا جيداً أنكم ستسكنونها بمفردكم لا مال.. لا ولد.. مرغمون على أنوفكم التي تلامس التراب بمنتهى الضعف والاستسلام.. ومشاوير بين مستشفيات ووحدات نقل الدم ومؤسسات خيرية تطعم وتؤوي الفقراء والمشردين الذين يجدون في لقمة الخبز غنيمة وفي شربة الماء مكسباً ولتعلموا أن نعمة الطعام والشراب في نظرهم ترف وبذخ.. نعم مشاوير رزقني الله القيام ببعضها فشعرت برغم جراحي أن مرايا نفسي خالية ولو من خدوشٍ بسيطة.. مشاوير شعرت بعدها بقيمة أن تكون صاحب يدٍ عليا وأن تمنح نعمة الإيثار برغم خصاصة النفس وحاجتها لكل شيء في الحياة.. أتمنى أن تقوموا بكل حب بهذه المشاوير التي ستشعرون بعدها بعملقة الذات رغم ضآلة ماتجودون به وإن كثر.. والآن ها قد رحلت مواسم دراسية وأخرى صيفية ورياضية وجاء موسم الرحمات سريعاً كما سيرحل فتذكروا أن تغلقوا أبواب الشر لأن الله تعالى سيغلق أبواب جهنم وأن تفتحوا أبواب الخير لأن الله سيفتح أبواب الجنة وأن تصفدوا رغباتكم لأن الله تعالى سيصفد الشياطين فهلموا إلى موسم الرحمات الكبير على صالة الدنيا ولراحتكم يرجى اصطحاب مصاحفكم.. وكل عام وجميع قراء الجمهورية بخير..رمضانكم كريم.