إنكار آيات الله في الكون وفي النفس البشرية لايستدعي الجهر بالكفر إذ قد يكون هذا الانكار خفياً لا نشعره أو مطموساً لانعرف معالمه أو مغشى بالبطلان فلا ندرك حقيقته.. إنكار آيات الله من اسباب الانحراف عن السراط , إذ تدعو الناس إلى تجاهل الخالق والتعلق بالمخلوق ومن ثم تحويل اتجاه العبودية إلى الأرض بدلاً عن السماء وهنا يصبح حقيقاً على الله تعذيب هؤلاء بنار جهنم خالدين فيها إلى الأبد . أن تثأر لغرائزك مع شرع الله بإعطاء جوارحك حرية العبث بك وبالآخرين فهذا انكار لفطرة الله في الكون.. أن تعتقد أن رزقك بيد فلان وأن المصلحة تقتضي إرضاء علان من الناس فهذا أيضاً انكار لأنك بذلك اشركت غير الله في قدرة الله وهو القادر على كل شيء , البخل جحود لنعم الله أيضاً وبسط اليد ثقة بما عند الله لكن ليس كل البسط لأن الرزق مقسم بدقة متناهية وإذا وهبك الله نعمة فإن حقها على نفسك وأهلك ومن حولك ممن يستحقون العطاء واترك شيئاً يحميك مسألة الناس ويعفك من الحاجة إليهم . أن تضيع من تعول فهذا جحود كبير لنعمة عظيمة تزين حياة البشر يتمناها من حرم منها بأموال الدنيا ولن يستطيع ذلك مادام الله قد كتب له الحياة بلا ولده .. إذا منّ الله عليك بمعرفة النعم فلا تجحدها أبداً واتخذها قربى إلى الله عز وجل لأن النكران مع سبق المعرفة يستوجب اللعن والعذاب من الله بينما يكون شكر النعم سبباً لزيادتها مع رضا الإله عن العبد ,ولن تستطيع أن تحصر نعم الله عليك ولهذا وجب علينا الشكر أبداً بحيث لانحصر شكرنا في طاعة أو دعاء بل يجب أن تكون حياتنا ترجماناً لحالة مستمرة من الشكر الذي لاينتهي طالما وأن نعمه علينا لاتنتهي . إن المتأمل في هذا الكون يجد أن في كل شيء يختاره الله خير.. البلاء خير مع الصبر والعطاء خير مع الشكر ,وحتى في مقدار الصبر والشكر يكون البلاء والعطاء فتجد البعض من الناس يحتمل من البلاء ما لا يستطيع احتماله آخرون سواه فما أحلم هذا الإله الذي يعطي كلاً حسب ما كان أهلاً له ,وفي سياق الإنكار لنعم الله تبرز الغواية الشيطانية بأقوى صورها إذ يلون الشيطان هذا الجحود بألوان كثير ويظهره بأشكال متعددة , فحين البخل يوهمك بالحرص وعند الشح يصور لك مآل المبذرين ويمنحك الأمل بالغد فتنسى الموت وتصبح الحياة همك والآخرة ابعد ماتكون عن حواسك وعلمك , ولايصيبنا الشر إلا بما قدمت أيدينا فنحن لأنفسنا رسل سلام أو نذر عقاب , ومن تقوى الله أن لايلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة لأي سبب كان وبأي طريقة كانت مهما بدت له أنها خالية من عقاب الجسد فقد تحمل في طريقها إلينا عقاباً للروح وهذا مالا تندمل جراحه أبداً , وقد تترك الجراح آثاراً أو ندوباً على الجسد وهذا لايؤثر في عقائد الناس أو ميولهم نحو الحياة لكن جراح الروح تغير فكر الإنسان وتؤدي دائماً إلى انحراف مساره. إن من شكر النعم أيضاً أن تظهر آثارها عليك لأن الله إذا انعم على عبده نعمة أحب أن يرى اثرها عليه أو كما قال صلى الله عليه وسلم فإذن لايجب التنكر خلف لباس الفقر وقد البسك الله ثوب الغنى , وتذكر دائماً أسباب النعم التي اسبغها الله عليك لأن ذلك يستوجب الشكر ,فإن كان سبب النعمة والداك وجب عليك تعهدهما وإن كان السبب بشر آخرون فإن من البر أن تعطي كل من يستحق التوقير حقه فيه مع وجوب التفريق بين السبب وصاحب السبب , فالله تعالى يسبب الأمور لصالح البشر دائماً وأبداً. والآن علينا أن نعلم أن معرفة النعمة والتيقن منها واخفاءها جحوداً بها فإن ذلك يدخل في كتمان النعم الذي جاء في قول الله تعالى في سورة (النساء) آية 37 :(الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً) صدق الله العظيم. إذاً فالبخل مرتبط بكتمان النعم وكتمان النعم جحود لوجودها والمتأمل للآية السابقة لها يجد فيها أمراً بالعبادة والتوحيد مرتبطاً بطاعة الوالدين وايتاء الآخرين حقهم من فقراء ومساكين وأصحاب جوار مع النهي عن الخيلاء والكبر وهذا دليل آخر على أن التكبر وعدم تقديم حق الآخرين عليك يدخل في باب التكبر على الله بنعم هو صاحبها المتفضل بها عليك . وفي إشارة سريعة للآية التالية لآية كتمان النعم نجد أن الله تعالى ربط صفة الكتمان والحجود والبخل بالانفاق رياءً لإرضاء الناس وهذا منتهى الغفلة أن تفتقد أن شكر الناس لإنفاقك قبول لما أنفقت .. فالله تعالى هو الذي يتقبل وهو من يجب أن يكون الإنفاق لوجهه سراً وعلناً. ثم ربط الله تعالى بأن من تكون هذه صفاته في النكران والإنفاق مراءات للناس يكون الشيطان قرينه وما اسوأه من قرين ويستمر العتاب الرباني متسلسلاً بعد ذلك مقروناً بضرب الأمثال من كل لون حتى يتضح المعنى ويستقر القصد في قلوب الناس ومن هنا وجب علينا استشعار نعم الله الكريم علينا ؛ لأن منها مالا نعرفه ولم نعرفه ولهذا اسماها الله تعالى نعماً ظاهرة وباطنة وحين يحدث استحضار النعمة ويثبت في القلب شكرها وتستسلم الجوارح لتأدية هذا الشكر بمختلف الوسائل من حمد وصلاة وكف أذى واستغلال ساعات العمر هنا فقط يتحول الشكر إلى عبادة وربما عندها فقط يجد القبول من الله عز وجل , فتأملوا حولكم كثيراً لاكتشاف نعم عظيمة أولها اننا نبصر الكون بكل مافيه من جمال وليس بآخرها أننا مؤمنون موحدون نسأل الله ماحيينا أن نلقاه على فطرة الإسلام والتوحيد ومن بينها أنني وأنت وهو وهي اخوان لمحمد بن عبدالله ذلك النبي الأمي الذي أرسله الله رحمة للعالمين رزقني الله واياكم شفاعته إلى يوم الدين وجعلني وأمة محمد أجمعين من ورثة جنة النعيم.. صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً بإذن الله.