أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر. والشعوب تمر بمراحل من السراء والضراء, وقد مسّنا وأهلنا الضر في اليمن، فالحمدلله على كل حال!! إن النعم تستوجب الشكر الذي هو ضمان استمرارها, والشكر لايقتضي فقط الإقرار بأن هذه النعم عطاء من المنعم، لأننا نستحق هذا العطاء، بل لأن الله يمن علينا بالعطاء كنوع من البلاء والاختبار من ناحية، ولأن المؤمن وهو يعيش غمرة البشرى بهذا العطاء يحاول أن يعيش النعمة كما يريد الله وفق مقتضى العبودية من ناحية أخرى. إن مقتضى العبودية يطلب إلى المؤمن أن يتعامل مع النعم جميعها كحافظ أمين, فلإخوانه حق من هذه النعمة أو النعم, يعطي المحتاج ويواسي المسكين ويعول اليتيم ويداوي المريض ويصلح بماله بين المختصمين, ويغيث الملهوف. ذلك أن كثيراً من الناس أذاقهم الله العطاء ومنحهم النعم اختباراً وبلاء, حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون, ومعنى(مبلسون) قانطون, آيسون.. يستوي في هذا الفرد والجماعات, الحكام والشعوب. أما الضراء فإنها مصيبة تلحق بالفرد أو الجماعة, كالفقر والموت والظلم والمرض ومايزعج من مصائب الدنيا وفواجع الدهر, والمؤمن يتلقى مصائب الدنيا بصدر رحب دون هلع ولا فزع, وإنما يحتسب ذلك عند الله ولذلك يستحقون رحمة الله(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة). فالمصيبة بالنسبة للمؤمن نعمة بحد ذاتها, لأنها رفع درجات وتخفيف عقوبات.. ولقد وصف النبي الكريم المؤمنين به بحسن البلاء(خير الناس بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل) أي أن البلاء يكون على حساب درجات العبد من قربه من ربه تعالى. الشعوب كالأفراد تخضع لفترات امتحان في تاريخها, والأمم العظيمة هي التي تصمد للمحن وتقف في وجه الشدائد والأزمات ولاتؤثر فيها المحن والخطوب، وإنما تفيد من هذه المحن والخطوب لتراجع مواقفها وتفكر في النتائج من خلال مراجعة المقومات وتعيد اكتشاف ذاتها من جديد في ضوء ماحدث, ذلك أن القواعد إذا لم تبن وفق منهج وأساس فإنها تكون عرضة للانهيار.