قال الله تبارك وتعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [الحجر:99]، وقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) [آل عمران:200]. قال الحسن البصري رحمه الله: «أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء، ولا شدة ولا رخاء، وحتى يموتوا مسلمين ونجد أن العامل المشترك هو الصبر وللصبر أنواع فمنها الصبر على العبادة ومنها الصبر على الابتلاء ومنها الصبر على جهاد النفس وهو أصعبها وأعظمها أجرا، ومن أبوابه الصبر على الأقدار والصبر على المصائب والمكاره التي تصيب العباد، وذلك الصبر لا يكون محمودا إلا مع الاحتساب؛ بأن يعلم بأن المصيبة مقدرة من الله، وأن من صبر أجر وأمر الله نافذ، ومن جزع وتسخط أثم وأمر الله نافذ، قال تبارك وتعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) [ البقرة : 155-157]. قال عمر بن الخطاب: (نعم العدلان، ونعمت العلاوة)، يعني: أن قول الله تبارك وتعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) عدلان، يشبهان بعدلي البعير في الحمل، (وأولئك هم المهتدون هي العلاوة)، وهو ما يكون بين العدلين.وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي وقال: «حديث حسن».ولقد أمر الله بالصبر في آيات كثيرة من كتابه فأمر بالصبر أمرا مطلقا، كما في قوله تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله) [النحل : 127].وأمر بالصبر في أمور مخصوصة لشدة الحاجة إلى الصبر فيها: فأمر بالصبر لحكم الله تعالى الشرعي والقدري، قال الله تعالى: (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا) [الإنسان:24]. وأمر بالصبر على أذى الفاجرين، قال تبارك وتعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) [آل عمران:186]. وأمر بالصبر على ما يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأذى والألم لما في ذلك من المشقة، قال تبارك وتعالى: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) [لقمان:17].ومن الأحاديث الشريفة في هذا الباب.. عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها» ((رواه مسلم)). وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما: «أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده : ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر» ((متفق عليه)) . وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» ((رواه مسلم)). وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك». فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها». [رواه البخاري ومسلم]وأيضا من أبواب الصبر كظم الغيظ.. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وبعد ذلك كله تأتي البشرى في قوله عز وجل: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر:10]، وقال عز وجل عن ثواب الصابرين: (أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) [الرعد:22-24]سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين[email protected]