يرى الإمام (الغزالي) أن النفس هي العالم في صورة (ترانزستور) مضغوط مصغر؛ فهي مكان تجميع لسر الكون وأحجيته الغامضة، ويبقى نظام تروية (بئر النفس) أو نظام تدفق الماء إليها ومنها على نسقين مختلفين؛ فهناك المصدر الخارجي من الجداول المتدفقة ولكنها تحمل مخاطر التلوث والكدر، أو بطريقة أنظف وأقرب رحما، وهي بالحفر في قاع البئر فيتدفق الماء زلالاً نظيفاً رقراقاً، والبدن بقطعه عن مصادر الطعام والتشويش الخارجية تجلو مرآته؛ فكأنه عملية نقب وحفر وتعزيل داخلية، والدخول إلى مزيد من عمق التربة بتحريض تدفق المياه الداخلية المختبئة تحت التربة، فيرى العالم أصفى وأروع فيبدع، وتتجلى النفس وتفيض كما يفيض ماء البئر النظيف. والصوم يعتمد آلية مزدوجة (عضوية روحية) . الصوم يقوم بتحريض مزدوج لهذه الآلية من خلال تحريض مواد العضوية، وتهييج الروح في زوبعة التحدي الجديدة، وهكذا يقوم الجسم في سبيل تعويض السكر الذي يحتاجه في الحرق كل لحظة، أمام مخاطر نضوب السكر في الدم، والمقدر بغرام واحد لكل ليتر من الدم بالهجوم على مستودعات الكبد من الغلوكاكون، بل ونحت وقلب المدخرات الأخرى من خلال آليات وحرق معقدة إلى استخدام تلك المواد كمواد طاقة ووقود ، وهو الذي نراه على (أصحاب المخمصة) أو بتعبير القرآن (في يوم ذي مسغبة) عندما تبدأ أجسامهم في الذوبان، كما لاحظنا ذلك على سجناء معسكرات الاعتقال الجماعية في البوسنة، عندما تبارزت عظامهم وقفزت نتوءات وجوههم. جدلية الطعام والأخلاق نحن نصوم فننقطع عن الطعام بشكل جوهري، ولكن السؤال لماذا المراهنة على قطع مصادر الطعام إلى حين؟؟ لنحاول مسك مفاتيح النفس الإنسانية، طالما قطعنا شوطاً في تحرير المعنى الجوهري للصيام بتحقيق المطلب الأعلى (التقوى) أو حسب تنزيلات علم النفس الحديث (الضبط الداخلي SELFCONTROL) . لماذا المراهنة على الطعام والشراب والجنس على وجه التحديد ولساعات محددة ؟؟ لماذا راهن (نظام الصيام) على الإمساك بمفاتيح الروح من خلال (النظام الغذائي) لابد أن هناك سراً في المسألة؟! أعتقد أنه سؤال فلسفي وعلمي جدير بمناقشته وفكفكة زواياه والقيام بتحليل سيكولوجي لأبعاده. لفت نظري البحث الذي اهتدى إليه (ابن خلدون) سابقاً وأكدته أبحاث علم النفس الحديثة والبيولوجيا، عندما عقد فصلاً في علاقة (المناخ والطعام) بأخلاق البشر، وفي هذا يحضرني (الحديث المروي الصحيح) عن أهل اليمن :(أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا) ليصل في نهايته إلى تقرير أن (الخيلاء والفخر في أهل الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم) فتظهر علاقة مميزة بين أخلاق الناس ونوعية الحليب أو البروتين الذي يتناولوه والآن ما هي علاقة (السكينة) التي هي صفة نفسية مع (أهل) الغنم أي الذين يعيشون على تربية الأغنام في طعامهم وشرابهم والاستفادة من مشتقاتها؟ إنه على ما يبدو أثر (الطعام) الذي يتناولوه؟؟