لا أظن أن أحداً من الباحثين لا يدرك أهمية الوعي المعرفي في أوساط المجتمع على اعتبار أن زيادة الوعي المعرفي أحد موانع التغرير بالناس، لأنه يحول دون نجاح أصحاب الأفكار المنحرفة وتجار الحروب، الذين لا يجدون مصالحهم إلا في المجتمع الجاهل، فلذلك تجدهم في تلك المجتمعات الأقل وعياً يلبسون ثوب الزهد والتقى ويظهرون أمام البسطاء من الناس بمظاهر العدل، ويستغلون جهل المجتمع ويكثفون تواجدهم فيه ويصرون على منع وسائل التحديث والتنوير في ذلك المجتمع ليظل بيئة مناسبة لتسويق أفكارهم الظلامية، ثم يعملون على تطويع وتجنيد ذلك المجتمع لخدمة أهدافهم العدوانية على الدين والوطن. فكنا قد حذرنا كثيراً من انعدام الوعي المعرفي في بعض المناطق النائية، وأشرنا إلى أن أصحاب الأفكار الظلامية يستغلون هذه المناطق أبشع استغلال، ولا يردهم في ذلك لا ضمير ولا أخلاق ولا يطالهم القانون، وقد ثبت من خلال الأحداث صحة ما حذرنا منه، وبالرغم من ذلك فإن الوضع مازال ممكناً وتحت السيطرة إذا استيقظت الجهات المعنية بنشر الوعي المعرفي في مناطق الأطراف وقامت بواجباتها لتعميق الوعي المعرفي. وأذكر على سبيل المثال أنني كنت على إحدى الندوات في جامعة صنعاء حيث استمعنا إلى أوراق عمل لباحثين ثم قدمت العديد من المداخلات وكان من ضمنها مداخلة لأحد أصحاب الأفكار الظلامية المزين بثوب العلم والمعرفة فأخذ يسوق لفكر ظلامي يرفضه العقل والمنطق فوقف الحاضرون جميعاً بلا استثناء للرد على ذلك الانحراف الفكري بروح علمية مسئولة ووعي معرفي متكامل وقابلوا الحجة بالحجة وأسقطوا الادعاء الباطل فخاطبت الحضور بالقول: لو أن هذا الوعي المعرفي الذي توفر في هذه القاعة كان متوفراً في مناطق الأطراف، هل كان لأصحاب الأفكار الظلامية أن يفعلوا بالبلاد والعباد ما فعلوه اليوم؟ أم أن نور المعرفة يبدد الظلام ويمنع القتل والقتال ؟ نعم ما ينقص الأطراف من البلاد هو الوعي المعرفي وهو الهم الذي ينبغي القيام به خلال المرحلة المقبلة بإذن الله.