لمست من البعض عدم الصدق الذي لا يمتّ بصلة إلى الموضوعية أو الحيادية، ففي إحدى الندوات التي حضرت فعالياتها استمعت إلى عرض لبعض أوراق العمل المقدمة إلى تلك الندوة، وقال أحد الباحثين في بداية مداخلته كلاماً فهمت من خلاله، أنا وربما الكثير، بأنه محاولة للهروب من المسئولية، واستعداد مطلق لمحاولة تحميل طرف دون الآخر وخصوصاً أن موضوع الندوة يتناول ظاهرة فكرية منحرفة عرّض معتنقوها الوطن للخطر وهددوا السلم الاجتماعي، ورغم ذلك الوضوح الذي يتنافى مع ما يزعمه من الموضوعية والحيادية، إلا أنني وكثير من الحضور حاولنا الاستفادة مما يمكن أن يكون إيجابياً وكان أبلغ قول قاله في عرضه بأن مجتمعنا اليمني ينقصه الوعي المعرفي وهذا قول سديد أيده المتداخلون، إلى هنا الأمور سليمة، ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ عندما بدأنا نتناول موضوع الوعي المعرفي وغيابه عن عامة المجتمع اليمني وانعدامه في مناطق الأطراف من البلاد قلنا بأن ذلك تقصير ينبغي أن نتحمل مسئوليته جميعاً الأب والأم وأفراد الأسرة والمدرسة والمسجد والشارع وكل المؤسسات الدستورية المعنية بحماية الشباب من الانحراف الفكري وشباك تجار الحروب الذين يتصيدون صغار السن للتغرير بهم، وقلنا بأن هذه المسئولية فرض عين لا يمكن أن تسقط مسئولية القيام بها إذا قام البعض ولم يقم البعض الآخر، وركزت المداخلات على مناطق الأطراف وقالت بأن تلك المناطق معزولة عن الوعي المعرفي نتيجة سيطرة أصحاب الأفكار المنحرفة الذين وجدوا في تلك المناطق بيئة حاضنة لأفكارهم الإرهابية. أما عندما جاء دور صاحب ورقة العمل للتعليق والرد على ما أثاره المتداخلون، فقد سمعنا عجباً، ولم يعد يؤمن بالموضوعية والحيادية كما يزعم، وإنما ظهرت الرغبة المطلقة في وصم الدولة والنظام في البلاد بالفشل وأن ما قلته بالمداخلات من مسئولية الجميع عن القصور في وصول الوعي المعرفي إلى مناطق الأطراف إنما مجرد دفاع عن السلطة والنظام، ويرى ذلك الباحث الذي يزعم الموضوعية والحيادية أن الجميع مبرر من ذلك القصور ولا تتحمله إلا الدولة فقط، دون أن يدرك بأن الدولة هي كل من تحدثنا عنهم، وتبين لي ولغيري من الحضور أن أمثال هؤلاء لا يبحثون عن حلول بقدر ما يبحثون عن الشهرة والانتقام من الوطن، فمتى يتقوا الله في الوطن؟ وهل حان الوقت لتقديم النافع والمفيد من القول؟ نأمل ذلك بإذن الله.