في زمن تنتهك فيه حرمة الأقصى، وتقصف فيه غزة ليلا ونهارا، وتزهق فيه الأرواح ظلما وعدوانا على مرأى ومسمع من العالم، يخرج على الساحة صوت عربي يطالب بنزع سلاح المقاومة في لبنان، وتحديدا سلاح حزب الله، في خطوة وصفها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بأنها تنفيذ واضح لأجندة أمريكية صهيونية، وقرار خطير لا يراد به أمن لبنان، بل خنق كل صوت حر ومقاوم في المنطقة.. إن الحديث عن "حل الدولتين" وما يصاحبه من ضغوط غربية وعربية على المقاومة لتسليم سلاحها، يعكس مسارا عبثيا في قراءة الواقع، فالعالم اليوم لا يجهل أن المقاومة هي التي ردعت العدو، وأفشلت مشاريعه في لبنان، وكبّدته هزائم مريرة منذ العام 2000م وحتى معركة سيف القدسوغزة 2021 و2023م، فكيف يعقل أن يطلب من المقاوم أن يسلم سلاحه في ذروة المعركة؟! السيد القائد في خطابه الأخير لم يخف استغرابه من تلك المساعي العربية التي تناشد الأمريكيين والأوروبيين أن يتدخلوا لحل مأساة الشعب الفلسطيني، بينما في الواقع هم من أوغلوا في الدم الفلسطيني، ودعموا الاحتلال ماليا وسياسيا، وغطوا جرائمه في كل المحافل، فهل يطلب من الجلاد أن ينصف الضحية؟ وهل ينتظر العرب من الأمريكان إنقاذا لا يملكونه حتى لأنفسهم؟! الأسوأ من ذلك، أن بعض العواصم العربية لا تكتفي بالتوسل، بل أصبحت جزءا من المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، إذ تعمل بشكل حثيث على تنفيذ الأجندة الأمنية للاحتلال، بدءا من تجفيف منابع الدعم للمقاومة، وصولا إلى الدعوة العلنية لنزع سلاحها، وخاصة في لبنان، حيث ينظر لحزب الله كشوكة في حلق الاحتلال ودرع استراتيجي لحماية لبنان من أي عدوان. وحين حذر السيد القائد من خطورة الموقف ، كان يتحدث بلغة الحكمة والاستشراف، إذ أن هذا القرار ليس شأنا داخليا لبنانيا فحسب، بل هو قرار مفصلي يمس أمن المنطقة بأكملها، فحزب الله لم يعد فقط فصيلا لبنانيا بل هو جزء لا يتجزأ من محور المقاومة الممتد من اليمن إلى إيران، ومن العراق إلى فلسطين. وأي خطوة تهدف إلى ضرب هذا المكون المقاوم تعني عمليا فتح جبهة صراع داخلي قد تمتد شرارته إلى دول أخرى، وتؤسس لحرب طائفية ومذهبية يراد منها تقسيم المنطقة وتمزيقها، بعد أن فشلت إسرائيل في إخضاعها بالحروب المباشرة. ومن يروج أن حزب الله يشكل خطرا داخليا، عليه أن يتذكر أن هذا الحزب هو من أعاد للبنان كرامته حين هزم العدو الصهيوني عام 2006م، وهو من صنع توازن الرعب الذي يمنع العدو من التفكير في اجتياح بيروت أو قصفها، وهو من يقاتل الآن في ميادين الجنوب نصرة لغزة، ونيابة عن كل من جبن عن نصرة فلسطين بالقول أو بالفعل.. بل إن هذا السلاح المقاوم ليس حكرا على لبنان، بل هو الضامن لمعادلة الردع، ولقدرة الشعوب العربية على انتزاع حقوقها، وكل مسعى لنزعه هو مسعى لإسكات صوت الأمة، وتهيئة الأرضية للاحتلال ليتفرد بشعبنا، من غزة إلى القدس، ومن صعدة إلى بيروت. إن قرار نزع سلاح حزب الله لا يمكن قراءته بمعزل عن المخطط الصهيوأمريكي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية، وضرب كل محور المقاومة، إنه ليس مجرد قرار سيادي داخلي، بل قرار مدروس صيغ في غرف تل أبيب وواشنطن، وينفذ بأدوات عربية مأجورة.. وليعلم كل من يسير في هذا الطريق، أن حزب الله ليس وحده، بل خلفه محور مقاومة يمتد على جغرافيا الأمة، وأن كل محاولة للمساس بسلاحه ستواجه بتيار شعبي وجهادي واسع، لا يرضى بالذل ولا يستكين للهيمنة. وما دام العدو يحمل سلاحه، ويقصف، ويحتل، ويقتل، فمن الجنون أن يطلب من المقاومة أن تتخلى عن سلاحها! بل إن هذا السلاح هو ما تبقى من كرامة هذه الأمة، وهو الجدار الأخير في وجه الاحتلال، فمن ينزعه، إنما يفتح الباب على مصراعيه لسقوط الأمة برمتها. فيا عقلاء العرب، إن كنتم تجهلون، فتعلموا من غزة والجنوب كيف يكون المجد، وإن كنتم تعرفون، فدعوا سلاح المقاومة وشأنه.. فوالله لا كرامة لكم إلا به، ولا نصر إلا معه.