الحلقة «12» ويروي أنس بن مالك أنه فزع أهل المدينة ذات ليلة, فانطلق الناس عقب الصوت, فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة، عري، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا؟!. وقال أبو سعيد الخدري: كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئاً عرف في وجهه، وكان لا يثبت نظره في وجه أحد، خافض الطرف. وقال: كان أعدل الناس، وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة. روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انا لا نكذب بك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله تعالى فيهم: «فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون». وكان أشد الناس تواضعاً, وأبعدهم عن الكبر, يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك, وكان يعود المساكين, ويجالس الفقراء, ويجيب دعوة العبد, ويجلس في أصحابه كأحدهم. قالت عائشة: كان يخصف نعله, ويخيط ثوبه, ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته, وكان بشراً من البشر يفلي ثوبه, ويحلب شاته, ويخدم نفسه. ولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هند فيما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان, دائم الفكرة, ليست له راحة, ولا يتكلم في غير حاجة, طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه لا بأطراف فمه، دمثاً، ليس بالجافي ولا بالمهين, يعظم النعمة وان دقت, لا يذم شيئاً, ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له. وعلى الجملة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محلى بصفات الكمال المنقطعة النظير, أدّبه ربه فأحسن تأديبه, حتى خاطبه مثنياً عليه فقال: «وإنك لعلى خلق عظيم»"القلم:4". وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس وحببه إلى القلوب, وصيره قائداً تهوى إليه الأفئدة, وألان من شكيمة قومه بعد الإباء, حتى دخلوا في دين الله أفواجا.