في يوم لا ينسى من مارس كنا مع حفلة غضب عارمة من أمنا الطبيعة فخلال دقائق قليلة كنا نقترب من الاختناق، وتحول لون السماء إلى البرتقالي. ومرة أخرى تذكرت الآيات عن تسع آيات من قصص صراع موسى مع الطاغوت، من إرسال القمل والجراد والضفادع والدم، وهي كوارث فظيعة لمجتمع زراعي، أما مدينة الرياض فالتحدي هو في الغبار؛ فهو العدو الدائم المتربص. وفي قناعتي أن مدن أي بلد إذا تم تطويقها بغابات من شجر لا يحتاج للماء، كما كان مشروع البليهي في القصيم، مع شجر البرسوبس لحمى المدن من عواصف الغبار وهجمات الطوز. ولكن يبدو أن الثقافة العامة حتى اليوم لا تحترم الخضرة كثيرا، أو تعتبرها شيئا أساسيا. وأنا في أول عمل عملته مع استئجار البيت مع قناعتي الكاملة أنه عمل سيترك للمستأجر اللاحق، عسى أن يتابع ما فعلته أنا، فقد قمت بزراعة شجرتين جهنمية وبزرومي فهما واقفتان شامختان الآن، الأولى مدهامة من الخضرة، والثانية ورود حمراء زينة للناظرين. وفي الواقع فإن غضب الطبيعة شيء هائل، ونحن لا نعرف بالها الطويل علينا حتى نفاجأ، ومن الأشياء العجيبة أن هناك من سجل قدوم العاصفة، وارتفاع غبارها بإمكانيات فردية، فكان أفضل من العديد من المؤسسات الرسمية في تفاعلها مع الحدث، وهذا يقول لنا إن التاريخ يصنعه الأفراد ويطبقه المجتمع على نحو أعمى، فلا يعرف كيف بدأت الأمور ولا أين انتهت، وأظن أن القليل ممن يركض بين الخطين الأخضرين في المسعى بين الصفا والمروة يتذكر قصة هاجر في بحثها عن الماء لابنها المهدد بالعطش في صحراء غير ذي زرع ليعبد فيها الله ولتتدفق عين عجيبة اسمها زمزم حتى اليوم شاهدة على انبعاث أعذب الأشياء من أقسى المناخات. ما حدث من أمر العاصفة كان يجب التحذير منها والاستعداد، فلم يعد علم الأنواء سحرا وضربا بالرمل بل فيه الكثير من العلمية وقدرة التنبؤ. مراكز تسونامي الحالية نصب فيها الألمان مراكز تحذير لأن القادمة أعظم، وأذكر في يوم وأنا في المشفى التخصصي في القصيم كيف غرقنا بالطوفان فدخلت المياه كامل السكن والقوم حيارى من مدخل المياه وكيف وصلت؟ .. وأنا قلت يومها كيف لم تبن الفيلات فوق الأرض بنصف متر على الأقل ويومها ضاع لي أعز ما أملك كتبي فبدأت كالمجنون أنقذ مايمكن إنقاذه فهلكت مخطوطات وكتب ثمينة وانتفخت أخرى فما زلت اقلب كفي على ما أنفقت فيها وأقرؤها وهي حبلى بدون حبل. الكوارث الطبيعية والمفاجآت الكونية تعطينا معنى الهشاشة وأننا مخلوقات ضعيفة أمام قوى عاتية ولكن العقل الإنساني الجمعي نفض الترهل ووقف يتحدى ويتعلم من علم الله أن الكون مخلوق كما نحن مخلوقات، وأن أمنا الطبيعة حنونة علينا رؤوفة رحيمة. كل ماعينا تعلمه هو قوانين الطبيعة للتكيف معها، ومؤشرات نضج وقوة المجتمعات لنتعلم من الدروس فإن حصل هذا واجتمعت لجان لدراسة ماحدث وكلفة الدمار في كل عاصفة ولو تُعطل ساعات العمل فهي قيمة عند مجتمعات تحترم قيمة العمل، نكون قد وضعنا أنفسنا في الإطار الطبيعي الحضاري، أما إذا استمر الوعاظ يقولون إن هذه العاصفة هبت لأن فساقا وفجرة فعلوا الفواحش فهناك من العباد في مساجد الرياض الكثير، وهذا يعني أن المظاهر الطبيعية يجب أن تفهم ضمن سنن الله في خلقه وأن المخالفات من طبيعة العقوبات فعلها من فعلها فاسق ومؤمن، فمن يدخل يده في النار احترقت عابدا خاشعا كان أو شيطانا مريدا، إلا أن يكون إبراهيم الذي خرج من النار فكانت بردا وسلاما على إبراهيم وليس كلنا إبراهيم.