في يوم 10 مارس 2009م كنا مع حفلة غضب عارمة من أمّنا الطبيعة؛ فخلال دقائق قليلة كنا نقترب من الاختناق، وتحول لون السماء إلى البرتقالي. ومرة أخرى تذكرت الآيات عن تسع آيات من قصص صراع موسى مع الطاغوت، من إرسال القمل والجراد والضفادع والدم، وهي كوارث فظيعة لمجتمع زراعي، أما مدينة الرياض فالتحدي هو في الغبار؛ فهو العدو الدائم المتربص. وفي قناعتي أن مدن الصحراء إذا تم تطويقها بغابات من شجر لا يحتاج للماء، كما كان مشروع شجر البرسوبس لحماية المدن من عواصف الغبار فحاربوه بدعوى الحساسية، وقطع الجهّال عشرات الآلاف من الشجر، كمن يقطع أنفه بسبب الرشح والزكام!!. وحساسية الربيع والشجر موجودة في العالم كله من جزيرة سخالين وكمشتكا حتى أرض بتاجونيا, فقتلوا شجره ونشروا خبره. ولكن يبدو أن الثقافة العامة حتى اليوم لا تحترم الخضرة كثيراً، أو لا تعتبرها شيئاً أساسياً..وأول عمل عملته أنا مع استئجار البيت زراعة شجرتين جهنمية وبزرومي، فهما واقفتان شامختان الآن، الأولى مدهامة من الخضرة، والثانية ورود حمراء زينة للناظرين. . مع قناعتي الكاملة أن من سيأتي بعد لن يتابع ما بدأت، إن لم يقطع ما زرعت, بدعوى الحساسية. وكنا أثناء مكثنا الطويل في ألمانيا نملأ أعيننا من جمال الورود، في النوافذ الخارجية المطلة على الشوارع، وليس داخل البيوت، فالجمال والنظافة عناصر الحضارة. وأمرّ بين حلب والقامشلي بمسافة 600 كم على قرى، لا أجد فيها لوناً أخضر قط؛ فأقول أين عيناك يا هارون الرشيد الذي كان منتجعك في الرقة، تأتي من بغداد إليها مظللاً بالشجر والغمام؟!. وفي الواقع فإن غضب الطبيعة شيء هائل، ونحن لا نعرف بالها الطويل علينا حتى نفاجأ، ومن الأشياء العجيبة أن هناك من سجل قدوم العاصفة، وارتفاع غبارها بإمكانيات فردية، فكان أفضل من العديد من المؤسسات الرسمية في تفاعلها مع الحدث.. وهذا يقول لنا إن التاريخ يصنعه الأفراد، ويطبقه المجتمع على نحو أعمى، فلا يعرف كيف بدأت الأمور ولا أين انتهت. وأظن أن غالبية من يركض بين الخطين الأخضرين في المسعى بين الصفا والمروة، لا يعرفون إلا اللون الأخضر, والنادر من يتذكر أنها ترميز لقصة هاجر في بحثها عن الماء لابنها المهدد بالعطش في صحراء غير ذي زرع، ليعبد فيه الله، ولتتدفق عين عجيبة اسمها زمزم حتى اليوم، شاهداً على انبعاث أعذب الأشياء من أقسى المناخات.. ما حدث من أمر العاصفة كان يجب التحذير منها والاستعداد، فلم يعد علم الأنواء سحراً وضرباً بالرمل، بل فيه الكثير من العلمية وقدرة التنبؤ. ولكن امتلاك المناظير غير الثقافة العلمية والتعامل معها، فهنا أدوات وهناك عقل حضاري، وهي مصيبتنا في كل شيء بدءاً من سلة المهملات وانتهاءً بالجملوكيات. وحالياً نصب الجن الألمان ليس في فرانكفورت؛ بل في حواف أندونيسيا، مراكز تصنت لهدير التسونامي من أعماق المحيطات، أفلا يصح أن يكونوا أوصياء العالم ونحن نومته؟.وأذكر يوماً وأنا في المشفى التخصصي في القصيم كيف فاجأنا الطوفان بماء منهمر، وتفجرت الأرض عيوناً؛ فالتقى الماء على أمر قد قدر!! ودخلت المياه كامل السكن، والقوم حيارى من مدخل المياه وكيف وصلت, وأنا قلت يومها: كيف لم تبن الفيلات فوق الأرض بنصف متر على الأقل، ويومها بين النائمين ضاع لي أعز ما أملك كتبي, فبدأت كالمجنون أنقذ ما يمكن إنقاذه, فهلكت مخطوطات وكتب ثمينة، وانتفخت أخرى, فما زلت أقلب كفي على ما أنفقت فيها وأقرأها وهي حبلى بدون حبل!!.. الكوارث الطبيعية والمفاجآت الكونية تعطينا معنى الهشاشة, وأننا مخلوقات ضعيفة أمام قوى عاتية، ولكن العقل الإنساني الجمعي نفض الترهل ووقف يتحدى، ويتعلم من علم الله أن الكون مخلوق كما نحن مخلوقات، وأن أمنا الطبيعة حنونة علينا رؤوفة رحيمة.. كل ماعلينا تعلمه هو قوانين الطبيعة للتكيف معها, ومؤشرات نضج وقوة المجتمعات هو التعلم من أيام العاصفات عصفاً فالملقيات ذكراً, فإن حصل هذا واجتمعت لجان لدراسة ما حدث وكلفة الدمار في كل عاصفة، ولو تعطلت ساعات العمل؛ فهي قيمة عند قوم يعقلون، وللحضارة ينتسبون. أما إذا استمر الوعاظ يقولون إن هذه العاصفة هبت؛ لأن فساقاً وفجرة فعلوا الفواحش؛ فهناك من العباد في مساجد بلداننا الكثير، وفي باريس يكثر الفحش فتبتسم الطبيعة وتزغرد. وهذا يعني أن المظاهر الطبيعية يجب أن تفهم ضمن سنن الله في خلقه، وأن المخالفات من طبيعة العقوبات، فعلها من فعلها فاسق ومؤمن، فمن يدخل يده في النار احترقت، عابداً خاشعاً كان أم شيطاناً مريداً، إلا أن يكون إبراهيم الذي خرج من النار فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم وليس كلنا إبراهيم.