لقد اختار الله شهر رمضان دون سواه من الشهور، فخصه بما لم يخص به غيره، فجعله أفضل شهور العام، وجعل أيامه أكرم الأيام، ولياليه أفضل الليالي، أجزل فيه العطاء للمحسنين، وضاعف الثواب للطائعين، ولقد بين رسول الله صلي الله عليه وسلم فضل أوقات معينة منها شهر رمضان عموماً، وليلة القدر خصوصاً، لأسباب صرح بها، ومنافع دعا إلى إكتسابها، ليتسابق المسلمون إلى الخير، وينالوا ما فيها من رحمة الله وفضله.فقد خص رمضان وهو آخر الشهور الثلاثة، بأن جعل ليلة القدر إحدى لياليه، وبارك فيها فأنزل فيها القرآن، وقرر أنها خير من ألف شهر، وكان هذا أيضاً تكريماً لرسوله، حيث خصه وأمته بهذه الليلة المباركة، لينالوا بعبادة الله فيها فوق عبادة ألف شهر، فمن قام ليالي العشر كاملة فهو بالتأكيد قد قام ليلة القدر التي هي ليلة العمر كما قال سبحانه: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم”. ثم أخبر أنها في العشر الأواخر فقال: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان” وعند البخاري: “في الوتر من العشر الأواخر”. !وقد سألت أمنا عائشة رسولنا صلى الله عليه وسلم عما يقوله من أدرك ليلة القدر وعما يدعو به المؤمن ربه في هذه الليالي فقالت: “أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني”. ويحصل أجر القيام لمن قام مع الإمام حتى ينصرف لحديث أَبِي ذَرٍّ قَالَ “صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا له يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة “ لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مَن حُرم خير هذه الليلة فقد “حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم”، لا يُحرم خيرها إلا شقي، حُرم من رحمة الله عز وجل؛ لأنه ضيَّع الفرصة وهي مواتية له، وهي أمامه، وهي بين يديه، فرصة مُحدَّدة في شهر واحد، بل في العشر الأواخر من هذا الشهر، مُحدَّدة في أنها تلتمس في العشر الأواخر من رمضان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان “من كان مُتحرِّيًا ليلة القدر فليتحرَّها في العشر الأواخر من رمضان” ففرص المغفرة والرحمة، وأبواب المغفرة والرحمة مُفتَّحة أمامنا، ولكننا لا نلجها، ولكننا لا نجد العزيمة التي تدفعنا إلى عمل الخير وخير العمل. “إن هذا الشهر قد حضركم، فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرم خيرها فقد حُرم، ولا يُحرم خيرها إلا محروم”. إنها منحة الله العلي القدير إلى عباده المؤمنين الصائمين الخاشعين ومن فضل الله تعالى على المسلمين أن من أقامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. لما كانت ليلة القدر تقع في العشر الأواخر من رمضان كان النبي “صلي الله عليه وسلم”يعتكف فيها أملاً في موافقة ليلة القدر.. عن عائشة رضي الله عنها قالت.. كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان “يجاور: أي يعتكف، فتسابقوا إخواني الصائمون والصائمات إلى إحياء ليلة القدر بالاستغفار والصلاة والعبادة، فطوبى لمن قام ليلها وصام نهارها، وجاهد في سبيل الله، أو أصلح بين اثنين، أو كفل يتيما او تصدق على محتاج ، أو.......الخ ، فهذه الليلة أكرمنا الله فيها بالأجر المضاعف العظيم ، لندعو ونتضرع إليه، ونتعبد له، ونقوم بذكره وشكره وحُسن عبادته، نقوم هذه الليلة في الصلاة والذكر والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن وعمل الخير ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. ندعو الله بكل ما تتمناه قلوبنا ... “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّي” خير ما يطلب المسلم العفو والعافية ... كما كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه: “العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة”وكان أكثر ما يدعو: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” فليلة واحدة هي خير من ألف شهر، لا ينبغي أن يضيعها المسلم، إن الله سبحانه وتعالى أخفى عنا هذه الليلة لحكمة أرادها، كما أخفى عنا اسمه الأعظم بين أسمائه الحسنى، لندعوه بأسمائه كلها: “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا”