نعيش جميعنا حقيقة الغياب الفعلي للمسئولية الاجتماعية حيال المواطنة الصحيحة , ونشهد كل يوم بعضاً من مظاهر الإخلال التي يحدثها المجتمع في بنية الحياة المتزنة المعززة بالأنظمة والقوانين , والمجتمع في ذلك يتجاوز مسألة تنصّله عن دوره في مكافحة الآفات والقوارض كالفساد والإرهاب والتخريب والاحتكار وغير ذلك ,يتجاوزها إلى مشاركته في إحداث واقع مأزوم مليء بالرشوة وغلاء المعيشة والتهرب الضريبي من قبل مالكي العقارات , واستفحال تهريب البضائع , ورفض الإقرار بما للجهات المختصة من واجبات زكوية بأرقام صحيحة. الفساد كقضية أولى نار يشعلها المفسدون في المرافق الحكومية والمواطن هو من يتكفّل بجمع الحطب والنفخ فيها لتبقى مستعرة عن طريق جرّ كثير من ضعاف القلوب إلى الرشوة , وسكوت كثير من مرتادي الدوائر الحكومية عن تعطيل القوانين , وميلهم إلى أساليب وحيل تضمن ليْ أعناق اللوائح والأنظمة بانتهاج مبدأ زيارات بعض المسئولين إلى بيوتهم , والمعاملة من وراء الكواليس , أو عن طريق الوساطة والمحسوبية ؛ فتتعطّل الحاجة إلى الدوام الصباحي إلا عند موظف نزيه ومعامل يتورّع عن القفز على النظام أو أنه لايمتلك المال لإشباع نهم المفسدين , وهذان حتماً سيدفعان ضريبة إرادتهما فالأول سيبقى ذلك المصلوب على زاوية المكان وقد توقفت عنده عجلة الزمن , وأما الآخر فسيبقى ذلك الشقي الذي ينتظر غوث العدالة زاعماً أنه في أيدٍ أمينة حتى يموت وهو على ذلك. والإرهاب والتخريب - كقضية ثانية - ترعرعا في بلادنا وقويَ عودهما من جرّاء قعودنا عن الإقدام في تضييق الخناق على جماعات الإرهاب والتخريب ,وفضحهم بالكلمة والتعاون مع الجهات الأمنية في القبض عليهم ,ولا يستطيع أحد أن ينكر احتضان بعض الأسر والقرى والمدن لأعداد من المخربين والإرهابيين ومنحرفي الفكر والعقيدة , وأقل من ذلك لايستطيع أحد أن ينكر إلقاءنا بالثقل كامله على عاتق الجهات الأمنية التي تحقق نجاحات لكنها لاتزال بمسيس الحاجة إلى مواطن متعاون لايؤوي المجرمين بل يبلّغ عنهم ويسهم في إفشال مخططاتهم الإجرامية وأفعالهم النكراء المخالفة للفطرة وسنن الحياة. والاحتكار وغلاء المعيشة - كقضية ثالثة - تعد معضلة كبيرة من صنع المستهلك نفسه ,لأن التهالك المحموم على بعض السلع الغذائية يؤجج في نفوس التجار نار الجشع فيرفعون أسعارهم بما يصل إلى درجة الضعف.. ولا لوم على التجار في ذلك لأن الوطن قد أفرغ يده من وطنيّتهم قديماً , والحكمة تقول : رأس المال جبان ,والرسول الكريم يؤكد في قوله: “التجار هم الفجّار” كما في الحديث الصحيح .. وعلى ذلك فاللوم يقع على من يتسبب في اذكاء عداء بعض التجار للاستقرار الوطني وسيادة الهدوء والسلم الاجتماعي بعيداً عن التذمّر والاحتقان وإثارة السخط , والمجال هنا لايتّسع لأن أتحدث عن شحة مواقف التجار إلى جانب الوطن في أزماته وقضاياه المصيرية إلا من بعض رؤوس أموال وطنية - بعدد اصابع اليد الواحدة فقط - لها مواقفها الوطنية المشهودة بدءاً من انطلاق الحركة التحررية الوطنية واحتضانها لكثير من رموزها , ويقف على رأس هؤلاء التجار أسرة تجارية عريقة أشهر من أن أسميها باسمها هنا. ونحن المواطنين لنا دورنا السلبي أيضاً في إيقاظ همم الجهات المختصة لمحاسبة ومراقبة تجار المغالاة والجشع الدائم , بل ولانمتلك الوعي الاستهلاكي الذي يضمن قيامنا بإلزام هؤلاء التجار وإجبارهم على البيع بالتسعيرات الأولى والمقرة من قبل مكاتب وزارة الصناعة والتجارة ولاسيما أن الدولار قد تراجع سعره مقابل الريال اليمني ,وهو مايستلزم عودة الأسعار إلى ما كانت عليه , لكنها عند تجارنا دون غيرنا إذا طلعت (مش راضية تنزل) على حد تعبير الرائع رشاد السامعي في مادته الأخيرة يوم أمس. والدولار - كذلك - هو القضية الأخرى التي تثيرها ثقافتنا التخزينية حتى يعزّ وجوده في سوق المال ويصبح أغلى مطلوب ,وهو ما يجعل البنك المركزي عاجزاً عن إشباع نهم الناس إلى شرائه حتى لكأنه ينفخ في قربة مخروقة , فضخّه لملايين الدولارات لايجدي أمام غولٍ كبيرةٍ فاتحةٍ فاها تلقف ماهم ملقون من حبال وعصي ودولارات . هذه جملة شواهد تثبت أن ضعف ثقافتنا الوطنية والاجتماعية والاستهلاكية سبب ضليع في صناعة الأزمات لأنفسنا ومجتمعنا , وهناك شواهد غيرها مثل التكالب على شراء الغاز وغيره من المحروقات بالشكل الذي يسهم في إحداث أزمة تنضاف إلى سلسلة الأزمات..لذا تبرز حاجتنا إلى صناعة وعي وطني اجتماعي استهلاكي يخلصنا من هذه المطبات المفتعلة ويجعلنا أناساً فاعلين في تثبيت دعائم الاستقرار متعدد المستويات لكي نعيش كما يعيش غيرنا في هدوء وطمأنينة.