توزيع مادتي الإسمنت والديزل لدعم المبادرات المجتمعية في ذمار    عضو السياسي الاعلى الوهباني يزور مهرجان خيرات اليمن    انفجارات في "أم الرشراش" وتعطّل الملاحة الجوية وامتناع طائرة عن الهبوط    وقفة نسائية في سنحان تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    إشبيلية يسحق برشلونة برباعية تاريخية في الليجا    مونديال الشباب: المكسيك ترافق المغرب إلى ال16    وادي التماثيل في جزيرة قشم.. بقايا ظواهر رسوبية وجدران طبيعية مذهلة    الاستقلال المتجاوز ل"الاعتراف الدولي": مفارقة "ارض الصومال" و "الجنوب العربي"    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    دائرة المرأة في إصلاح حجة تحتفي بثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر    اليمن يحصد ميداليتين في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى    منظمة دولية تدعو لهيكلة مجلس القيادة وتشكيل حكومتين للشمال والجنوب    المرتضى: جريمة اعدام «العفيري» ارتكبت بضوء اخضر سعودي    رحلة تكشف المستور    تعيين الاصبحي مدرباً لمنتخب الناشئين وقيس للاولمبي    بن حبريش يبيع الحضارم والحكم الذاتي بمليون لتر ديزل    أمين عام المجلس الانتقالي الجنوبي يلتقي وكيل قطاع الصناعة بوزارة الصناعة والتجارة    ترامب يعلن موقف إسرائيل من الانسحاب الأولي.. والوفود التفاوضية تتجه إلى القاهرة    مركز الأرصاد يحذر من اقتراب العاصفة المدارية "شاكتي" من المياه الإقليمية    المكتب التنفيذي لمديرية خور مكسر يعقد اجتماعه الدوري ويناقش تقارير عدد من المكاتب    استمرار حملة مصادرة شمة الحوت من أسواق المنصورة    كاد تهرب المسؤول أن يكون كفرا    باكستان ترد بحدة على الهند: "ستدفن أسفل حطام طائراتها الحربية"    العملة المشفرة الأغلى.. البيتكوين يكسر حاجز ال 125 ألف دولار    السلفيين يحرمون مشاهدة مباريات كأس العالم في قطر ويحللونها في بلاد الكفر    وتظهر "حمالة الحطب" في المغرب    النابحة توكل كرمان تتجه إلى المغرب لتخريبة بعد تدمير بلدان العرب    أرسنال يكسب «المطارق» ويتصدر.. وساكا يكتب التاريخ    الرئيس الزُبيدي يجري اتصالاً هاتفياً بالشيخ سلطان البركاني للاطمئنان على صحته    هيئة التعليم والشباب بالانتقالي توقع مذكرة تفاهم مشتركة مع إدارة صندوق تنمية المهارات    إغلاق وابتزاز مالي.. مليشيا الحوثي تصعد استهدافها للقطاع الصحي في صنعاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنغلاند    كين يبدد مخاوف الإصابة    انتحار أكثر من 7 آلاف شخص في كوريا الجنوبية    الكشف عن 63 جريمة مجهولة    قبل يومين من الأربعينية    مدير عام المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة المركزية لسبتمبر نت :نطمح إلى إنشاء 4 فروع جديدة    جريمة قتل جماعي قرب حقل مياه عدن.. دفن نفايات شديدة الخطورة في لحج    بعيدا عن المحاصصة بكل وضوح.. مطالب الجنوب لن تنتظر أكثر    تشيلسي يتجاوز ليفربول ويوقف مسيرته نحو لقب الدوري الانجليزي    مأرب.. تكريم الفائزين بمسابقة شاعر المطارح    تحقيق يكشف عن عمليات تهريب الأحجار الكريمة والمعادن النادرة من اليمن    القرية .. مدرستي الاولى    بدء توزيع الزكاة العينية للأسر الفقيرة في مديرية اللحية    انتقالي شبام يدشّن توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب الأسر المحتاجة بالمديرية    إحصائية رسمية: وفاة وإصابة 399 شخصا جراء حوادث السير خلال سبتمبر    رئيس إصلاح المهرة يدعو إلى الاهتمام بالموروث الثقافي واللغوي المهري    تُكتب النهايات مبكراً لكننا نتأخر كثيراً في قراءتها    تعز تناقش مواجهة مخاطر الكوليرا وتحديات العمل الإنساني    جريمة مروعة في عدن.. شاب ينهي حياة خاله بسكين    سياسيون يحتفون بيوم اللغة المهرية ويطلقون وسم #اللغه_المهريه_هويه_جنوبيه    مفتاح يطلع على حجم الاضرار بالمتحف الوطني    أنا والحساسية: قصة حب لا تنتهي    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    مراجعة جذرية لمفهومي الأمة والوطن    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    صنعاء... الحصن المنيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنوب العربي: إعادة تأسيس الدولة بين شرعية الاستقلال وآليات الاعتراف الدولي
نشر في شبوه برس يوم 21 - 08 - 2025

تشكل قضية الجنوب العربي إحدى الإشكاليات القانونية والسياسية المعقدة في العصر الحديث، حيث تتداخل فيها عناصر القانون الدولي، وحق تقرير المصير، وتاريخ من الاعتراف الدولي السابق، مع وقائع الاحتلال والتحرير. لذلك فان دراسة وضع الجنوب العربي تتطلب الغوص في أعماق المبادئ القانونية الراسخة، وفك اشتباك التاريخ مع السياسة المعاصرة، لتقديم رؤية واضحة تستند إلى المنطق القانوني السليم والأعراف الدبلوماسية الثابتة.

حيث لا ينبغي النظر إلى قضية الجنوب العربي من منظور انفصالي حديث، بل من زاوية دولة مستقلة ذات سيادة تم اغتصاب إرادتها. فبعد استقلال جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عن الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967، حظيت هذا الكيان باعتراف دولي واسع النطاق، وأصبحت عضواً فاعلاً في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، مما منحها شخصية قانونية دولية كاملة. هذا الاعتراف لم يكن مجرد تصريح دبلوماسي عابر، بل كان إقراراً من المجتمع الدولي بوجود كيان سياسي مستقل يتمتع بجميع مقومات الدولة وفقاً لاتفاقية مونتيڤيديو (1933): سكان دائمون، إقليم محدد، حكومة، والقدرة على الدخول في علاقات مع الدول الأخرى. هذه الشخصية القانونية لا تتبدد بفعل الاحتلال أو القوة الغاشمة، بل تظل كامنة، تنتظر لحظة إعادة الإحياء.

ومن المعلوم ان وحدة عام 1990 بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية جاءت في سياق تاريخي وسياسي ودولي معين لكن، سرعان ما تحولت هذه "الشراكة" إلى علاقة هيمنة وإخضاع.اذ لم تكن الوحدة اندماجاً طوعياً متكافئاً بين شعبين، بل تحولت، بحسب الوقائع التاريخية الموثقة، إلى عملية استيلاء منهجية بالقوة. حيث قام الجيش الشمالي باجتياح الجنوب عسكرياً في حرب صيف 1994، مما يعني، من منظور القانون الدولي، احتلالاً لأراضي دولة ذات سيادة معترف بها سابقاً. فيما لم يكن طرد الشركاء الجنوبيين من السلطة، والملاحقة السياسية، والاغتيالات التي طالت الكوادر الجنوبية، سوى أدوات لقمع الإرادة السياسية للجنوب وفرض سيطرة أحادية الجانب. وبالتالي، فإن الرباط القانوني للوحدة يكون قد انقطع بفعل هذه الأفعال، لتحل محله حالة من الاحتلال القسري.

وهنا تكمن النقطة الجوهرية في الإشكال القانوني. الاعتراف الدولي هو فعل سياسي في جوهره، وليس تأسيسياً لوجود الدولة. فالدولة تنشئ نفسها بنفسها (نظرية التأسيس) من خلال توافر العناصر الموضوعية (الشعب، الجغرافيا، السلطة الفعلية). اما الاعتراف فهو مجرد إقرار من دول أخرى بهذا الواقع الجديد، وهو إقرار انفرادي وتقديري.
ففي حالة الجنوب العربي، نحن لا نتحدث عن "اعتراف جديد" بكيان لم يسبق له وجود، بل عن إعادة إقرار (اعادة التاكيد) علي الشخصية القانونية القائمة أصلاً والمعترف بها سابقاً. فالدول التي تعرضت للاحتلال واحتفظت بهويتها وكفاحها من أجل التحرر – كما هو الحال مع دول البلطيق التي احتلتها الاتحاد السوفيتي – لم تحتاج إلى "اعتراف جديد" عند تحررها، لأن شخصيتها القانونية ظلت قائمة (بحكم القانون) حتى لو كانت معطلة (عملياً). والمجتمع الدولي، بهذا المعنى، مدعو ليس لخلق دولة، بل للاعتراف بعودة دولة قائمة إلى الساحة الدولية.

ويؤكد ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان على أن حق تقرير المصير هو حق غير قابل للتصرف لجميع الشعوب. وهذا الحق يشمل، كما فسرته الأعراف والممارسات الدولية، الحق في اختيار النظام السياسي، وفي تقرير المصير الخارجي بما في ذلك الحق في الوحدة أو الانفصال، خاصة في حالات القمع المنهجي والاحتلال والتمييز. ونضال شعب الجنوب العربي، بتضحياته الجسام على مدى عقود، وباستخدامه كافة وسائل التعبير السلمية منها وغير السلمية في مواجهة قمع ممنهج، يمثل تجسيداً عملياً لإرادة لا لبس فيها. فقد مارس الشعب الجنوبي حقه في تقرير المصير عملياً من خلال تحرير أراضيه وإقامة سلطة فعلية عليها، مما وفر جميع مقومات الدولة بحكم الواقع.

إن الوجود الحالي لما يسمى "حكومة الشرعية اليمنية" في اجزاء من الجنوب لا يقوم على أساس شرعية الوحدة المنقوضة، بل على أساس اتفاق سياسي مرحلي ومحدود الأجل، وهو اتفاق الرياض (2020) بين المجلس الانتقالي الجنوبي وتلك الحكومة. وهذه الشراكة، التي كان هدفها المعلوم مواجهة تهديدات ميليشيا الحوثي، لا تعكس بأي حال من الأحوال العودة إلى وضع الوحدة السابق. فهي مجرد تحالف تكتيكي في مواجهة عدو مشترك، وقد منحت اتفاقية الرياض شرعية مؤقتة ومشروطة لهذا التواجد، وهي شرعية قابلة للزوال بمجرد زوال الغرض منها أو انتهاء مدتها، وهي لا تلغي بأي صورة الحقوق التاريخية أو القانونية للجنوب العربي في استعادة دولته الكاملة.

ان الجنوب العربي ليس مشروعاً انفصالياً يبحث عن شرعية، بل هو دولة ذات تاريخ وحضور قانوني دولي سابق، تعرض للاحتلال، وناضل شعبه لاستعادة حريته وحقه المسلوب. فإعلان استقلاله هو استعادة للسيادة وليس إنشاء لها.والاعتراف الدولي، وإن كان مهماً للاندماج في النظام الدولي، فهو مجرد إجراء وليس حق لتكريس واقع قائم، كما انه ليس شرطاً لوجود هذا الواقع. ومسؤولية المجتمع الدولي، انطلاقاً من مبادئه التي يدعي الدفاع عنها، ليست في اختراع حلول، بل في الاعتراف بالحقوق والإرادة التي أرساها شعب الجنوب العربي على أرض الواقع، وبالشخصية القانونية التي لم تُسقطها سنين الاحتلال والغصب. فالمستقبل يحمل في طياته دعوة للدبلوماسية الدولية لمواءمة سجلها القانوني مع الحقائق الثابتة على الأرض، والاعتراف بعودة دولة كان لها، ولا يزال، مكان تحت شمس السيادة الدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.