طعام الفطور يكاد أن يكون هو الطعام الوحيد المتوحد بين الصائمين من مشرق بلاد الإسلام إلى مغربها، ولكن إذا أتينا إلى سائر الأيام غير رمضان ستكون هناك فوارق كبيرة.. فالأطعمة الرمضانية تتوحد بين الموسر والمعسر بين الغني والفقير.. وبشكل عام فإن الطعام عطاء رباني لاستمرار الحياة، والشعوب تختلف في عاداتها لتناول الطعام والوسائط المناسبة لاحترام هذه النعمة التي منّ بها الله علينا وعلى كافة خلائقه , وكلما تناول آكل الطعام القدر الكافي كان أصح وأمتع. فقد وردت أقوال للرسول الكريم منها: قوله صلى الله عليه وسلم: “نحن قوم لانأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع”. ونحن عادةً ما نتناول الطعام بالأصابع في بيوتنا وهي عادة عربية قديمة، فيما ذهب أهل آسيا إلى ابتكار عيدان خشبية أما الغرب فقد طور في طعامه الشوكة والسكين وسائط بين الإنسان وطعامه، فلماذا لم نكلف أنفسنا نحن العرب قبل تقليد الغرب بتناول الأكل بالشوكة والسكين والملعقة ؛ لماذا لم نخترع أو نبلور أداة خاصة لتناول الطعام، وحين نقارن بين الشوكة والأصابع أثناء تناول الطعام سنلاحظ أن الأولى تختطف الطعام من أعلى بعد أن تنغرس رؤوسها الشبيهة بالرماح بهذه الطريقة تمتد فترة تناول الطعام، لكن الطعام المتناول بالأصابع سريعاً ما ينتهي الأكل وكأن شعاره الطعامي يعود به إلى تلك المقولة الخاطئة القديمة: “كل أكل الجمال وقم قبل الرجال” والحقيقة أن تناول الأكل بشراهة وسرعة غير صحي بل غير مناسب في هذا الوقت حيث غزت الشوكة والملعقة والسكين كل المطاعم. ولكن بالمقابل ننتقل إلى آراء خبراء الطعام وفن التناول, ولنأتي إلى رأي سعيد الناجي الخبير في هذا الشأن (في المقابل يقود استعمال الأصابع في الأكل إلى اكتساب الجسد الدور الأول في ملامسة الطعام وتناوله خارج كل وساطة ممكنة.. وهكذا يمكن أن تحدد إضافة إلى نقل الطعام وظيفتان أساسيتان للأصابع: - الحفاظ على حميمية العلاقة بين الجسد والطعام حيث تلامس الأصابع مباشرة الطعام بحركات خفيفة فيها من القوة مايلزم فقط لحمله ونقله دون ضغط أو عنف، وفيها شحنة عاطفية تنشأ من أن الأصابع تحيط بالطعام من جوانبه وتنقله برفق. - نقل أخبار ومعلومات حول الطعام قبل تناوله “سخونته، برودته، ليونته” هذه الوظيفة الإخبارية التي تتكفل بها الأصابع قبل اللسان .. بهذا تصبح الأصابع ضامناً أول للطعام من حيث قابليته للتناول. (هكذا يندرج الطعام في الثقافة العربية الإسلامية) ضمن مجال المقدّس، لأن مصدره الأول هو الله سبحانه وتعالى الذي نظمه فحلل منه ماحلل، وحرم منه ماحرم. وهنا يمكن ان نستخرج من القرآن دلائل عديدة على تقديس الطعام، لعل أجلاها في بداية التناول تسمية الله قبل البدء في تناول الطعام وختمه بحمده, “ فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب” سورة المائدة آية “3”. هكذا يمتلك الطعام قيمة عطاء إلهي مباشر لا يجدر بالإنسان إلا أن يتناوله مباشرة دون وساطة، هذا مايراه الأستاذ الكاتب المغربي سعيد الناجي .. أن تناول الطعام مباشرة بالأصابع أمتع وأشبع. والأهم وهذه عادتنا الطيبة أن تسمية الله على الأكل أمر ضروري عندنا نحن المسلمين يدخل ضمن التقوى. وترتفع قيمة الطعام إلى أن يصبح وسيلة لتقوية الإيمان , نعم .. إنه شهر كريم، شهر التعامل مع الطعام بقداسة الإسلام وعمق فلسفته.