عند الساعة الواحدة وخمس وعشرين دقيقة من الصباح كان التلفون يرن أن شاباً يستحم في دمه في حالة صدمة , فهب الأطباء لإسعافه وكان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك واقترب منه ملك الموت فتدلى ولكن كتبت له النجاة وولد ولادة جديدة. في الواقع أنجزت المملكة عملاً حضارياً مذهلاً ببنية تحتية من شبكة عملاقة من المشافي الجميلة اللامعة الحديثة من أقصى المملكة في النماص على جبال عسير وانتهاءً عند حافة شاطئ نصف القمر في الدمام والظهران. وفي القصيم مشفى جميل نظيف عملاق يؤدي من الخدمات الساحرة مايغيب عن أعين الكثيرين فلا يرونه الا في الأزمات ولكن أكثر الناس لايشكرون. والشاب (مجدي) كان محظوظاً مرتين بإنقاذ حياته من موت مبين بعد أن انقطع شريانه وساح دمه في بركة حقيقة من الدم ودخل حالة الصدمة الصاعقة. وكان محظوظاً من جديد أنه لم يخسر ذراعه بعد أن انقطع شريان الأكحل عنده. وهذا يذكرني بقصة الصحابي سعد بن معاذ , فالسيرة تروي عن عائشة رضي الله عنها أنها أشفقت عليه عندما رأته في درع غير سابلة تحمي صدره ويبرز منها ذراعاه، والنساء يومها في الآطام والحصون، والناس في حالة خوف شديد، فالمدينة طوقت وجاءهم الأعداء من فوقهم ومن تحت ارجلهم هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً. وتتابع الرواية أن الصحابي أصابه سهم في عرق (الأكحل) وكانوا يصفونه أنه العرق الذي إذا أصيب لايرقأ، وصاحبنا مجدي طعنه صديقه في المهاوشة سبع طعنات كان أحدها قطع عرق الأكحل الذي لايرقأ. والتشابه بين القصتين واحد في الإصابة باستثناء أن الصحابي كان يجاهد في سبيل الله فأصابه سهم يهودي، وأما صديقنا مجدي فكان يجاهد في كشتة فتسابب هو وزميله ولم يروا حلاً للمشكلة إلا باستخدام السكاكين تحت نزوة عنف وانفجار للجنون. ونرجع الى قصة الصحابي فهو بعد إصابته عولج بحرق حصير وضغطه في المكان ولم يكن هناك علم تشريح ولا فن جراحة اوعية دموية طبعاً وهذا الفن لم يتطور إلا في القرن العشرين بعد حرب كوريا. ولعل أول شريان صناعي زرع عام 1948 م وكان وريداً من جسم الإنسان مقلوب الرأس بسبب الدسامات في طريق الدم قام به الجراح دوس سانتوس. وصديقنا مجدي عمل له جراحة نفس التقنية فنجا. أما الصحابي الجليل سعد بن معاذ فأنهك من النزف وعندما استسلم بنو قريظة وأرادوا حكماً فيهم هرعوا الى صديقهم من الجاهلية سعد بن معاذ. جاء الصحابي يتحامل على نفسه ومن فرط الجهد لم يستطع الترجل من حماره فقال صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم سعد فأنزلوه. وكان يدعو الله دائماً أن أبقني لما بعد قريظة وإلا فافجرها عليّ , وكان الجرح على مايبدو ينزف من حين لآخر. وبعد حكمه على بني قريظة انفجر الدم من الشريان فمات رضي الله عنه. أما صاحبنا مجدي فنجا وكسب ذراعه “رحمة من عندنا وذكرى للعابدين”.