قال تعالى:(لكل أمةٍ أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) سورة يونس :49 وقال سبحانه:( ما تسبق من أمةٍ أجلها وما يستأخرون) سورة المؤمنون:43 وقال عز وجل:(وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) سورة الكهف 59 في هذه الآيات يحدد القرآن للتحولات الاجتماعية الكبرى في حياة المجتمعات أجلا معلوماً ووقتاً محدداًً، فالمجتمعات التي انحرفت ومارست الظلم والفساد لن تهلك بين عشية وضحاها،ولن يصيبها الاضمحلال والاندثار في لمح البصر،ولكن ستظل عوامل الفناء والتحليل تعمل في جسدها إلى أن يأتي الوقت المعلوم الذي ينهار فيه المجتمع عقوبة له على تماديه في الشر والفساد:(وجعلنا لمهلكهم موعداً)سورة الكهف 59 وبالمقابل فإن المجتمعات الناشئة التي قامت تبني نهضتها،وتؤسس لمجدها وعزها،لا يمكنها أن تحقق النهوض بين عشية وضحاها، بل هي تحتاج إلى وقت تتكامل فيه أسباب النهوض والبناء،ولاسيما إذا فهمنا أن التغيير الحقيقي إنما يبدأ من تغيير ما بالأنفس،وهو تغيير يحتاج إلى جهد جهيد، كما يحتاج إلى الوقت اللازم حتى تنضج ثماره، وتظهر آثاره. وذلك هو ما نعنيه بسنة الأجل، والتي يمكن تلخيصها بالقول: إن لكل تحول اجتماعي شروطه الموضوعية، وعمره الزمني. - الاستفادة من سنة الجل في إصلاح المجتمع إنه لمن المهم والضروري جداً أن يفقه المصلحون هذه السنة الاجتماعية،حتى لا يستعجلوا النتائج قبل أوانها، وحتى لا يقعوا في اليأس والإحباط فالقرآن يعلمنا ( أن لكل أجلٍ كتاب) سورة الرعد 38 وفي قصة موسى عليه السلام يعلمنا القرآن أهمية عامل الزمن في إحداث التحول الاجتماعي المطلوب،وقال تعالى:( وإذ قال موسى لقومه يا قوم أذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين، قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين، قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين)سورة المائدة 20-26 فلقد أراد موسى عليه السلام أن يدخل الأرض المقدسة، ولكن قومه(مجتمعه) خذلوه، لأنهم كانوا قد تربوا- في ظل فرعون- على حياة الذل والاستكانة والخنوع، ففسدت بذلك ملكاتهم الفكرية والنفسية، وهنا كان لابد من سنة الأجل:أربعين سنة حكم الله فيها على بني إسرائيل بالتيه في صحراء سيناء، وكانت تلك المدة هي الزمن المطلوب، والأجل المعلوم،لإخراج جيل جديد، يتربى في صحراء سيناء، ويتنسم فيها عبير الحرية، حيث لا طغاة هناك ولا مستبدون، وهذا الجيل الحر هو الذي دخل الأرض المقدسة- بعد ذلك- بقيادة يوشع بن نون(1) تلميذ موسى عليه السلام. والملاحظ هنا أن موسى عليه السلام لم يدخل الأرض المقدسة، بل مات دون تحقيق الهدف،فهل يعني ذلك أن يوشع كان أكثر كفاءة وقدرة من موسى عليه السلام؟! معاذ الله! وأين يوشع من موسى كليم الرحمن،وأحد أولى العزم من الرسل؟! ولكن المسألة هنا ليست قيادة فقط،بل لابد فيها من توافر الشروط الموضوعية وتلك الشروط احتاجت إلى زمن..إلى أجل معلوم، وكان هذا الأجل بعد أن رحل موسى عليه السلام إلى ربه. ومن هنا ندرك خطأ بعض دعاة الإصلاح ورواده حينما يربطون التحول الاجتماعي بأعمارهم،ويريدون أن يتحقق مشروع النهوض بالأمة في خلال حياتهم،مع أن هذا المشروع قد يحتاج في إنجازه إلى عدة أجيال،أو إلى جيل لم يتمخض عنه المجتمع بعد. وإذن فلابد من العمل،ومع العمل لابد من مراعاة سنة الأجل،لأن عدم مراعاة هذه السنة قد أدى إلى اعتسافات خطيرة، ومزالق كبيرة، وإشكالات كبيرة، كانت ولا زالت سبباً في تأخير النهوض بمجتمعاتنا،ولهذا فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى تلك العقول الإصلاحية الكبيرة، التي تعمل، وتبذر بذرة الخير في المجتمع، دون أن يكون همها أن ترى الثمرة العاجلة القريبة لعملها، ودون أن تصاب باليأس والإحباط والقنوط، لأنها توقن أن بذرة الخير لابد وأن تثمر، وأن لكل أجلٍ كتاب. (1) يوشع بن نون: تلميذ موسى عليه السلام، كان أصل اسمه(هوشع) فدعاه موسى باسم(يشوع) انظر: اليهودية والمسيحية: محمد ضياء الرحمن الأعظمي.ص123.ط مكتبة الدار- المدينةالمنورة، ط الأولى 1988م. Alsalahi73hotmail.com