اعتبرت يهودية الشريعة التلمودية أن ما جاء به عيسى عليه السلام ليس إلا تمرداً وخروجاً عن ملّتهم، وأنه بذلك يستحق أقسى العقاب، هكذا سعوا جاهدين لتطبيق عقوبة الإعدام بالطريقة الرومانية البشعة، القاضية بتعزير وجلد وإهانة المحكوم عليه بالإعدام، ومن ثمّ القيام بصلبه ليكون وجبة للطيور الضارية!!. هذه العقوبة اليهودية بامتياز والتي تنصّل منها الحاكم الروماني, غاسلاً يديه من دم المسيح جاءت تحت مبرر الخروج عن الشريعة اليهودية، لكن رسالة السيد المسيح عليه السلام لم تقف بعد أن أعدموه كما يتوهمون «فما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم» حيث رفعه الله إلى السماء. تالياً ومع توالي الأيام تحرك الحواريون صوب العالم المعروف آنئذ، ونقلوا الرسالة السامية للمسيح عليه السلام، فانتشرت مسيحية «لوقا، ومتّى، ويوحنا، ومرقص» فاحتار يهود الشريعة التلمودية أمام الأمر حتى جاء العرّاب الأكبر ومؤسس الكنائس السبعة «بولص الرسول» الذي كان يُسمى قبل ذلك «شاؤول» وكان على الشرعة اليهودية، غير أنه تحوّل بعد ذلك إلى ناشر كبير للمسيحية الدينية بوصفها شريعة، وعمل على ترسيخ دعائم الرواسخ الكنسية والممارسية ارتباطاً بالعهد القديم، وحرص على توصيل المسيحية بالتوراة بوصفه الأصل الأصيل في الكتاب المقدس للمسيحيين، وهذا ما كان. فقد أصبح الكتاب المقدس المعتمد من كنائس بولص العديدة مكوناً من العهدين القديم والجديد، وهكذا تماهى الحواريون مع التوراتيين، فيما يمكن اعتباره تماهياً قسرياً عجائبياً أفضى إلى حقيقة بسيطة ومؤكدة, فكما كان المسيح عليه السلام متهماً بالمروق عن الشريعة اليهودية; عادت هذه الشريعة ذاتها لتكون المسيحية حاملاً من حواملها، فما عاد من خلاف جوهري إلا حول الدور المشين للخائن «يهوذا الاسخريوطي» الذي أوشى بالسيد المسيح في «ليلة العشاء الأخير». يتموْضع بولص الرسول في مكانة مركزية من الثقافة المسيحية، كما يمكن إحالة الأدوار الكهنوتية الثقيلة للكنيسة التاريخية إلى تعاليم بولص بالذات، وليس غريباً والأمر كذلك أن تتجهم كنيسة العصور الوسطى لتمثل صورة كئيبة للتعصب، ولينقلب السحر على الساحر مرة أخرى، فهذه الكنيسة لم تكتف بتعاليمها العدمية المتعصبة التي أرهقت كاهل أتباعها، بل طالت اليهود مطاردةً وتقتيلاً وتعذيباً بتهمة خيانة السيد المسيح، فتحوّل «يهوذا الاسخريوطي» إلى عنوان لكل يهودي، وبهذا تحوّلت رسالة المحبة والتسامح للمسيح عليه السلام، إلى وسيلة لانتقام لا ينتهي!!.