عندما عيّن الإمام يحيى حميد الدين ولده سيف الإسلام أحمد المعروف ب(يا جناه) أميراً على لواء تعز؛ كان مرد ذلك إلى أهمية هذا اللواء في إطار مملكته حينها ولما عرف به ابنه أحمد من بطش وتنكيل ومواصفات تؤهله لإخماد أي تمرد أو انتفاضة, وخلال سنوات بدا لأحمد يا جناه أنه قادر على فعل كل شيء في تعز. وحين حصلت الثورة الدستورية في 1948 وقتل الإمام يحيى في صنعاء؛ أراد أحمد معاقبة صنعاء بأن جعلها مغنماً للناهبين من القبائل المجاورة, وفي نفس الوقت دفعه شعوره بالخوف من مصير والده في صنعاء إلى اتخاذ تعز عاصمة لحكمه في خطوة فسّرها كثيرون على أنه شعر بأن تعز وقبائلها وناسها قد أصبحوا طيعين خاضعين لإرادته ولجنِّه الذين كان يوحي للناس بأنهم مسخرين له. في تعز كان يشعر الإمام أحمد بالطمأنينة التي لم يشعر بها حتى فرعون, وكان يحس أنه يري الناس سبيل الرشاد، وكان يرعب الناس برجالات عكفته الذين كانوا أشبه ببلاطجة ينهبون أموال الناس، ويهتكون أعراضهم!!. ولم يكن يشعر أن تلك التصرفات فضلاً عن القصور الفارهة للإمام وحاشيته في صالة وغيرها تستفز الناس وتولّد داخلهم الشعور بالظلم والغبن حتى وإن كان الخوف يجعلهم يلزمون الصمت إلا أن الناس كان لهم أنات وأنات، وكان لهم تنهدات ويشعرون بالقهر أكثر لإحساسهم أن الإمام قد اغتر بذكائه وخدعه وألاعيبه وعدم مبالاته بدعوات الإصلاح التي كان يطرحها المستنيرون والعقلاء. كان الإمام ينعت ناصحيه ب«السفهاء» وكلما نصحه أحد قال له: مهما قلت وستقول فلن يكون ذلك إلا كما فعل سفهاء من قبل لم يجدهم ما يقولونه نفعاً ولم أكترث لهم. وعندما أفرط الإمام في تنكيله وبطشه، وأفرط في حالة البذخ والنعيم والقصور والأموال والمكتسبات التي كانت حكراً عليه وعلى المقربين منه؛ كان ذلك يزيد أبناء تعز إصراراً على الانتفاضة والثورة على الظلم والقهر والاستبداد. ولم تمر سنوات حتى كانت تعز تشهد حركة 1955 التي وإن فشلت إلا أنها كانت تدق ناقوس الزلزال القادم، وتحدد ملامح المستقبل، فكان لتعز دور فاعل في حركة التحرر والوصول إلى الثورة من خلال رجالاتها الأحرار الذين سطّروا ملاحم سبتمبر وثورتها الخالدة. وكان من الطبيعي أن يطلق بعد ذلك على مدينة تعز أنها مدينة (الثورة) على الظلم والاستغلال والاستبداد والامتيازات الخاصة التي كان ينتزعها المستبدون من قوت الفقراء ولكونها أسقطت أبراجاً من الظلم والطغيان. ثم بعد ذلك مثّلت قاعدة لانطلاق الكفاح المسلح ضد الاستعمار، وشكلت إرادة التغيير بما اكتسبته من مؤسسات وكوادر أسهموا بفعالية في بناء الدولة اليمنية الحديثة والخروج من نفق العصور الوسطى المظلم إلى واحة العصر والتطور والتفاعل مع العالم. ولئن كانت تعز قد مثلت أيضاً نقطة الالتقاء عند قاسم مشترك بين شمال الوطن وجنوبه، واحتضنت العديد من اللقاءات الوحدوية بين قيادتي الشطرين سابقاً حتى كانت التهيئة والترتيب وصولاً إلى حدث ومنجز الوحدة العظيم في الثاني والعشرين من مايو 1990م؛ فإنها قد شكلت كذلك الانطلاقة لحكم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان قائداً للواء تعز ومنها تقدم بشجاعة وفي ظرف تاريخي صعب لتولي مقاليد السلطة في وقت كان يتهرب الآخرون من حمل هذه الأمانة والمسؤولية التاريخية. ولأن ثورتنا السبتمبرية ثورة متجددة وأهدافها في القضاء على الظلم والاستبداد وإزالة الفوارق والامتيازات تظل أهدافاً خالدة؛ فإن تعز وكما هو عهدها في النضال ستظل مدينة الثورة على كل ما يؤدي إلى الظلم والفقر والجهل والتخلف والمرض. [email protected]