كان النازيون يعتبرون أن المعاقين عبء على الدولة؛ أما في المملكة فترى فيهم فرصة لكسب رضى الرحمن، والتخفيف عن الأهل، ودفع الأمل في قلوب المصابين، وحمل رسالة أشفقت منها الجبال والسموات والأرض. وبهذه الطريقة ولدت جمعية الأطفال المعوقين في المملكة، وبذلك تحولت مهمة السماء إلى الأرض، فكان لخرق السموات سلطان، وفي الأرض آيات للموقنين.. وقصة النازيين مع المعوّقين ليست جديدة، فأنا أعرف من المنطقة التي نشأت فيها أن القابلة كانت إذا تسلمت وليداً مشوهاً، كبّت على وجهه طشت الولادة فيموت خنقاً؟ وكان النازيون يرسلون المعاقين إلى مصحات خاصة، ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب، فهي من الخارج مثل القبور مطلية بالبياض، ومن الداخل نجاسات وعظام أموات.. هكذا جاء في الإنجيل.. وكان هذا المصير يتناول المشلول والأبرص والأعرج والمعتوه وقاصر العقل والمتوحد وصغير الرأس والمختل ولو قليلا، طالما شهد الحزب القائد أنه لا يصلح لجبهات الموت، وحمل السونكي والتفنكة والفشك؟؟ وكذلك كانت مشافي النازية من الخارج مشافي، ومن الداخل محارق متحركة في سيارات، وثابتة في محارق جهنمية، انحصرت وظيفتها أن ترسل نعياًً كاذباً للأهل، أن ابنهم أخذ للعناية فيها، ولكنه أصيب بذات الرئة، أو التهاب الحمى الشوكية، أو إسهال حاد ومغص كاذب وإمساك قاتل فمات؟! والفوهرر والدولة والحزب، تنعي وتأسف، لما حصل لهذا المواطن الصالح؟!! وكان يعرف من أرسل النعي أن الله وملائكته والصالحين يلعنونه مع الحزب والقائد، وكان يعلم أن الدولة تكذب، والرفيق القائد يكذب أكثر، والحزب أشد كذباً من الاثنين.. وهي عادة متأصلة في كل الأحزاب العقائدية؛ من الشيوعية المارقة، والماوية الغادرة، والفاشية الماكرة. إن العناية بالمعاق أمر أعرفه من مناظر شتى، وما زلت أتذكر المشلول الرباعي وهو يحمد الله على الحياة، ومن خسر أطرافه السفلية فهو يزحف زحفاً مثل الزواحف.. ولكنّ الحديث في المملكة يختلف؛ فهناك مؤسسة عمرها ربع قرن ويزيد، قد وطنّت نفسها لهدف نبيل، أن تعتني بأولئك الذين لا يعتني بهم أحد، نسيهم المجتمع ونسوه، والله على كل شيء شهيد.. المعاق ليس عبئاً على المجتمع فهي الصورة البائسة ونصف القدح الفارغ الممتلئ، بل هو قدرة التحدي في المجتمع أمام الضغوطات، وهو معنى أن الكرامة الإنسانية فوق ضعف الأعضاء، وهي رحمة الله فينا وعظمته أن نرى هؤلاء الأناسي فنقول؛ الحمد لله الذي فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، وهي بعد كل هذا عنصر التضامن الاجتماعي أن يشعر الإنسان أن المجتمع الذي يعيش فيه لن يتخلى عنه بأي صورة من الصور. لقد تلقيت رسالة من أخ كريم وكتّاب يوضحون هذه المهمة المقدسة، فلهم أوجه التحية والإكبار، وأقول لا غبطة إلا في اثنتين: من آتاه الله المال فهو ينفقه في إعانة أمثال هؤلاء، ومن عنده العلم فيوضح صورة هذه المعاني النبيلة، عسى الله أن يحشرنا مع تلك الزمر النبيلة من الأناس النبلاء.. قال رسول الله: «من يقرأ القرآن وهو يتعتع له أجران»، وهؤلاء المعاقون يتعتعون في الحياة بكل صورة، ولكن من يعين هؤلاء له مثل أجرهم بإذن الله...