ونحن نعيش هذه الأيام أجواء الاحتفالات بأعياد الثورة المجيدة, أجدها فرصةً للحديث عن الثورة الأم, ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة, هذه الثورة التي كانت بلا شك ثورة تغيير شامل لمختلف الجوانب والمجالات المتصلة بحياة ومسيرة شعبنا اليمني العظيم, تغيير جذري نقل اليمن من عهود الظلام والتخلف والرجعية والكهنوت إلى واقع جديد مفعم بالنور, نور العلم والحرية والديمقراطية والتقدم والنماء, شيدت على أرضية هذا الواقع مشاريع ومنجزات عديدة خلال ما يقرب من خمسة عقود من انطلاق هذه الثورة المباركة , شملت كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية ....الخ وعمَّ خيرها كل أرجاء اليمن. ولن يتسع المجال هنا لذكر مظاهر التغيير التي أحدثتها الثورة المباركة في حياة شعبنا ووطننا, فذلك يحتاج إلى مجلدات لكنني اليوم سأركز على مظهر واحد من مظاهر هذا التغيير, وهو ما يتعلق بمجال التعليم هذا المجال الحيوي الهام والذي مثلّ أحد أهداف الثورة المجيدة, التي جعلت من التعليم حقاً مكفولاً لجميع أفراد المجتمع دون أي تمييز أو استثناء باعتباره الوسيلة الكفيلة بتجاوز الثالوث الرهيب الذي كان قائماً في اليمن قبل الثورة الخالدة والمتمثل في الفقر والجهل والمرض. ولن أتناول ثورة التغيير في مجال التعليم للمقارنة بين ما كان الحال عليه في هذا القطاع الحيوي الهام وما وصل إليه اليوم لإدراكنا بأن المقارنة صعبة وغير منطقية، وإنما لنضع الأجيال الجديدة على ما كان عليه حال التعليم في اليمن قبل الثورة الخالدة. حيث اقتصر التعليم في المحافظات الشمالية التي كانت تخضع لحكم كهنوتي اعتمد سياسة التجهيل ركيزة لحكمه على أبناء الأسر الحاكمة والمقربين منها موزعين على أربع مدارس، بالإضافة إلى كتاتيب لتعليم القرآن وكل ما يمجد الأسرة الحاكمة، ولم يكن واقع التعليم في المحافظات الجنوبية والشرقية التي كانت خاضعة للاستعمار أحسن حالاً, وإن كانت أكثر من حيث العدد والتنظيم وإن كانت مكرسة في المقام الأول لتأهيل كوادر تتطلبها مشاريع المستعمر. وقامت الحكومات المتعاقبة بوضع التعليم في مقدمة اهتماماتها باعتباره المدخل الحقيقي لإحداث نقلة نوعية حقيقية في واقع الوطن وحياة الشعب, وتحقيق النهوض الحضاري الشامل لليمن الجديد. لذلك تبنت حكومة الثورة معالجات سريعة لذلك الوضع المأساوي, وباشرت باتخاذ عدة تدابير عاجلة في ربوع الوطن، بهدف اجتثاث الأمية والجهل في أكثر من اتجاه، ببناء المدارس والمعاهد والكليات، وابتعاث الدارسين إلى الخارج في مختلف التخصصات، الأمر الذي وضع البلد في بداية صحيحة لتجاوز الواقع الصعب الذي كانت تعيشه قبل الثورة الخالدة. لقد شهد قطاع التعليم بمختلف مجالاته تطوراً متنامياً كثمرة طيبة للثورة اليمنية المباركة خصوصاً في ظل مسيرة قيادة الرئيس علي عبد الله صالح لسفينة هذا الوطن, ويكفي أن نشير إلى إحصائيات رسمية تتعلق بهذا المجال حيث بلغ عدد مدارس التعليم الأساسي والثانوي حتى العام عام 2009م أكثر من 18 ألف مدرسة تستوعب ما يقارب ستة ملايين طالب وطالبة في مختلف أرجاء اليمن، وتجاوز عدد المعلمين فيها 200 ألف معلم , منهم حوالي 37 ألف معلمة. يضاف إلى ذلك أكثر من 90 ألف طفل وطفلة ملتحقون برياض الأطفال والمدارس الأجنبية البالغ عددها نحو 610 روضات ومدرسة, منها 252 روضة حكومية, بالإضافة إلى 300 مدرسة أهلية، في إطار تشجيع الدول للقطاع الخاص للاستثمار في مجال التعليم, وفقاً للأنظمة والقوانين المنظمة للعملية التربوية والتعليمية, ويعمل في هذه الرياض والمدارس اكثر من 8266 معلماً ومعلمة. ولم تقتصر الجهود على بناء المدارس وتشجيع الأطفال للالتحاق بها، وإنما امتدت الخطط والبرامج التعليمية لتجاوز الأمية التي كانت تعيشها اليمن والمقدرة بما يزيد عن 95 % من إجمالي السكان من خلال التوسع في إنشاء مراكز محو الأمية وتعليم الكبار، والتي أصبحت تتواجد في معظم مناطق الوطن وصل عددها إلى أكثر من عشرة آلاف مركز. وفي ضوء تلك الجهود تراجع عدد الأميين في اليمن إلى حوالي 5 ملايين و 545 ألف شخص، يتوزعون بنسبة 3.33 ذكور و7.66 إناث من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 21 مليون نسمة. كما انخفضت نسبة الأمية من 56 % إلى 45.7 % للفئة المستهدفة عشر سنوات, فيما انخفضت نسبة الأمية في الإناث إلى 62.1 %، وبين الذكور 29.8 %, أما على مستوى الحضر فانخفضت الأمية بنسبة 25.8 %، وفي الريف إلى 54.3 %. أما في مجال التعليم العالي والمهني، والذي كان غائباً نهائياً قبل الثورة فقد تحققت قفزة نوعية بكل المعايير إذ وصل عدد الجامعات الحكومية إلى 16 جامعة عام 2010م منها سبع جامعات تحت التأسيس. حيث تضم الجامعات الحكومية 113 كلية منها 51 كلية في مجال التخصصات العلمية والتطبيقية و 62 كلية في مجال العلوم الإنسانية، في حين وصل عدد الجامعات الأهلية عام 2009م إلى 32 جامعة تضم 67 كلية منها 41 كلية في التخصصات الإنسانية و 26 كلية في التخصصات العلمية والتطبيقية. وبلغ عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الحكومية والأهلية خلال العام الدراسي 2009/2008م إلى 235 ألفاً و 816 طالباً وطالبة، فيما بلغ عدد المتخرجين حوالي 28 ألف طالب وطالبة، ووصل عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات خلال نفس العام إلى قرابة سبعة آلاف عضو. أما بالنسبة للتعليم الفني والتدريب المهني فقد بلغ عدد كليات المجتمع ست كليات، بالإضافة إلى 78 مؤسسة تدريبية خلال العام 2009م توزعت ما بين معاهد مهنية وتقنية وصناعية وزراعية وسياحية في 19 محافظة، تضم 106 تخصصات في مختلف المجالات، وبلغ عدد الملتحقين بها 24 ألفاً و 691 طالباً منهم ثلاثة آلاف و255 من الفتيات، في حين بلغ عدد كوادر التدريب العاملة في المؤسسات التدريبية 4 آلاف و 974 كادراً خلال العام 2009م. ووصل عدد الخريجين من هذه المؤسسات التدريبية في عام 2008م، إلى حوالي ستة آلاف خريج. وواكب التوسع في التعليم العالي نمو كبير في الإنفاق على التعليم يعكس الأهمية المتزايدة التي أولتها دولة الوحدة والحكومات المتعاقبة لقطاع التعليم عموماً والتعليم العالي خصوصاً. ومثل الإنفاق على التعليم خلال العشر السنوات الماضية في المتوسط ما يقارب من 5 % من الناتج المحلي الإجمالي وما نسبته 19 % من إجمالي النفقات العامة للدولة وهذه النسبة تماثل نسبة ما تنفقه بعض الدول المتقدمة على قطاع التعليم.. وتعد اليمن من الدول القلائل التي تزيد نسبة ما تنفقه الدولة على التعليم بشكل عام عمّا تنفقه على القطاعات السيادية الأخرى بما في ذلك القوات المسلحة والأمن, حيث تقارب نسبة ما تخصصه الدولة في موازنتها العامة سنويا لقطاع التعليم ومشاريعه الاستراتيجية 25 % من إجمالي الموازنة العامة للدولة. هذه هي بعض ثمار الثورة المباركة التي نتمتع بخيرها اليوم, ويجب علينا أن نحافظ عليها ونرعاها, لأنها لم تكن وليدة يومها ولم تكن بالبساطة التي قد يتصورها البعض, فقد سقط من أجلها آلاف من خيرة رجالات اليمن, الذين حملوا أكفانهم على ظهورهم، ورؤوسهم على أكفهم لتنفيذ تلك المهمة الوطنية العظيمة بعزيمة الأبطال وإصرار الشجعان, حتى كتب لهم النجاح ليسقطوا بذلك كل التحديات وأشكال التآمر الرخيص التي حاكها البعض من الخونة والعملاء ضدهم حين ذاك, ولم تزد تلك المؤامرات الثورة إلا رسوخاً وتثبيتاً و انتصاراً لأنها لم تكن في الحقيقة ثورة أفراد, بل ثورة الشعب بأكمله, وهو الحدث الأعظم في تاريخ اليمن المعاصر, الذي أخرج الشعب من المجهول إلى المعلوم, وقضى على كل أشكال الاستبداد والاستعمار ولبّى آمال الشعب برمته في تحقيق الحياة الكريمة لكل أبناء هذا الوطن المعطاء.