لاشك بأن الإجراءات والقرارات المالية والنقدية التي اتخذت مؤخراً قد أسهمت وبشكل كبير في بث روح الاطمئنان والتفاؤل في القطاع المالي والمصرفي وإزالة المخاوف من التدهور الاقتصادي بسبب السياسات المالية والنقدية غير المدروسة، والتي كادت تدخل الوطن في نفق مظلم وغير محمود بسبب تدهور سعر العملة الوطنية مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، بسبب السياسات العشوائية سواء في الجانب المالي وحالة البذخ والسخاء في الإنفاق العام وفي المجالات غير الضرورية رغم الأزمة التي يعيشها الوطن والعالم أجمع وما سميت «بالأزمة المالية العالمية» وكذا السياسات النقدية التي كانت تواجه الخطأ بالخطأ فيما يتعلق بسياسة التدخل السريع لضمان قوى العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية الأخرى وهي أحد أهم المهام الرئيسة للبنك المركزي «كبنك للحكومة ومستشارها المالي». صحيح أن الاقتصاد الوطني واجه العديد من الصعوبات ومازال، والمتمثلة في تضخم النفقات في بند المرتبات بشكل مخيف بعد الوحدة المباركة، حيث زاد الإنفاق في بند المرتبات وما في حكمها في الموازنة العامة خلال الستة الأشهر الأولى من عام 1991م إلى ما يزيد عن 220 %، مقارنة بما كان عليه الوضع في الفترة نفسها من عام 1990م، ووصلت نسبة النفقات في الباب الأول مقارنة بمصروفات الموازنة العامة الأخرى إلى حوالي 70 %، وظل الوضع في حالة تفاقم مذهل حتى نهاية عام 1994م. وزاد الوضع سوءاً نتيجة الانعكاسات السلبية لعودة المغتربين اليمنيين من عدد من دول الخليج، والتي شكلت عودتهم عبئاً جديداً وثقيلاً على الأوضاع الاقتصادية. على العموم الظروف الاقتصادية والمالية والمصرفية التي مر بها الاقتصاد الوطني كادت تودي به إلى الهاوية لولا تدخل حكماء الوطن وبشكل سريع في إقرار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي وفق أجندة وطنية صادقة ومخلصة بهدف إخراج الوطن من ذلك النفق المظلم الذي كاد يتسبب وبشكل رئيسي في انهيار اقتصادي، لولا لطف المولى بهذا الوطن الخيّر، والذي تفوح منه رائحة الرحمن كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وما أحب أن أشير إليه هنا هو مدى قدرة الدولة ممثلة بالحكومة وبالتحديد وزارة المالية والبنك المركزي في فرض هيبتها ووقف حالات الاستنزاف والانهيار للقطاع المالي والمصرفي والانزلاق إلى دهاليز غير محمودة بسبب السياسات غير المدروسة في الجانب المالي ممثلة بالنفقات والإيرادات والجانب الآخر في السياسات النقدية المصاحبة، والتي تسببت في انهيار العملة الوطنية وعدم القدرة على وقف تدهورها أمام العملات الأجنبية الأخرى، لولا التدخلات والإجراءات التي تم اتخاذها مؤخراً ووقف المهزلة المكشوفة التي كانت تجرى في عملية التدخل، وضخ الدولار للسوق في مواجهة حالة الجشع والطلب المتزايد على الدولار دون أدنى إجراءات تحوطية لوقف الحالة الهستيرية من قبل محلات الصرافة وبعض البنوك وكذا بعض رؤوس الأموال العائلية، حيث لهث الجميع وراء تحقيق مكاسب هائلة وكبيرة على حساب الوطن واقتصاده المنهك، فلولا الإجراءات الائتمانية والتحوطية التي اتخذتها الحكومة ممثلة بالخبراء والاقتصاديين في الحكومة ومؤسساتها المالية والنقدية لوصل الجميع إلى قناعة واحدة، وهي أن الاقتصاد الوطني بخير وعافية، طالما أن الدولة فرضت نفسها ووقفت بحزم وصرامة في وجه كل من يحاول العبث بمقدرات وثروات هذا البلد المعطاء، فالدولة فعلاً قادرة على محاسبة ومعاقبة كل من يعبث بمقدرات الوطن متى ما أرادت ذلك، وقد حان الوقت فعلاً أن نقف جميعاً في وجه العابثين بمقدرات الوطن والخارجين عن القانون إذا أردنا فعلاً وطناً خالياً من الأزمات واقتصاداً متعافياً وبخير. وربنا مع المخلصين والصادقين.. مدير الحسابات الجارية - البنك المركزي تعز