يعتقد البعض أن حب الوطن يتمثل في رفع الأعلام وترديد الأناشيد، والتغني به في المناسبات الوطنية، وكأن حب الوطن مرحلة زمنية محددة بأعياد في السنة أو مناسبات معينة. حب الوطن بمعانيه ومضامينه العظيمة.. بدلالاته النبيلة وأبعادها العميقة هو ليس أقوالاً وثرثرة سياسية وشعارات ترفع في الفراغ لتحقيق أهداف وغايات هي أبعد ما تكون عن السلوك والممارسة العملية الحقة المجسدة لهذا الحب في العقل والقلب. في الوعي والوجدان بل إن هذا الحب ينشأ مع الإنسان من الصغر ويكبر معه قيماً وأخلاقاً متحولاً من الأقوال إلى الأعمال، متجلياً في جهود وعطاءات حقيقية صادقة لخير اليمن ونمائه وبنائه وتطوره سياسياً واقتصادياً وثقافياً موحداً وديمقراطياً مستقراً وناهضاً يمضي صوب غد أكثر تقدماً ورقياً ينعم كل أبنائه بخيره ورفاهيته. حب الوطن يا سادة يا كرام حب مسئول، فعندما نحب وطننا فنحن مسئولون عن هذا الحب، وعمن نحب، فحب الوطن يعنى أشياء كثيرة يجب أن تنعكس في سلوكنا وواجباتنا نحو هذا الوطن. حب الوطن يعنى أن احترم القانون، وأن أعرف واجباتي قبل أن أطالب بحقوقي، حب الوطن يعنى المحافظة على المال العام وممتلكات الدولة، وأن تكون شوارعي نظيفة، وأن يكون عملي منتجاً وجيداً، وأن أحترم الآخر مهما اختلفت معه، وألتزم بالقوانين بما فيها المرور، أرفض الرشوة، دفعاً أو تسلماً، أحرص على تطوير ذاتي وقدراتي من أجل خدمة ورفاهية الوطن. حب الوطن له معاني جميلة وسامية، لكنه قبل ذلك تطبيق عملي على أرض الواقع لا أقتنع بشخص يصرخ ليل نهار بحب الوطن، وهو يرمي أعقاب سجائره من نافذة سيارته في الشارع، أو ينشر التطرف البغيض والفتنة والخوض في أعراض الناس. أو يتجاهل ويسكت عن كل ما يسيء لهذا الوطن أو يمس كرامته ووحدته وأمنه واستقراره بسوء. حب الوطن أعظم وأعمق من زعيق نواب في مجلس، أو وقت يهدر في مهاترات وإدارة الظهور لمشاريع تنموية ملحة. حب الوطن يتضمن إحساس كل مواطن بأن مصلحته تكمن في مصلحة وطنه، وأن الأوطان بأبنائها وأن الإنسان لا يكبر إلا بإكباره لوطنه، ولا عزة ولا كرامة له إلاّ بعزة وكرامة وطنه وأنه لا سبيل لتطور هذا الوطن إلا بتضافر جهود أبنائه وإخلاصهم في الولاء له. حب الوطن شعور وجداني وإحساس نفسي نابع من خلجاتنا.. يترجمه العمل ويبلوره الوعي إلى تجسيدات عملية تعبر عن حب الوطن والاستعداد دوماً على التضحية في سبيله، والإخلاص له، والعمل من أجل رقيه وعزته وتقدمه ليكون مفخرة لأي وطني حقيقي تشّرب هذه المعاني والمضامين والدلالات مع حليب أمه، وترسخت وتعمقت في روحه وعقله وهو يستظل بسمائه ويفترش أرضه وينعم بخيرات عطاءاتها. فالوطن ليس المكان الجغرافي الذي نسكن فيه، بل هو ذلك الانتماء العميق الذي لا يمكن فيه فصل الإنسان عن وطنه، والذين لا يحملون هذه المشاعر الفياضة السامية تجاه أوطانهم هم أولئك الذين فقدوا آدميتهم ووطنيتهم وباتوا على استعداد للتفريط بهذا المبدأ والقيمة العظيمة لهثاً وراء إشباع غرائزهم الحيوانية ومطامعهم الذاتية والأنانية فلا يتوانون عن المتاجرة بأوطانهم وقضاياها في أسواق العمالة والارتزاق.. يفرطون بالوطن مقابل أثمان بخسة وفتات الأموال المدنسة، وهم في تحقيق ذلك يسعون إلى استبدال الولاء الوطني بالولاء الصغير المناطقي والقروي والقبلي والعشائري ليحل مكان الولاء الجمعي للوطن الذي يستظل به الجميع. حب الوطن يعني التزامنا بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي تحُث الإنسان على حب وطنه، ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكةالمكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ (رضي الله عنهما) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة :«ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ». ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر . إن من يخلدون بأعمالهم هم أولئك البارون بأوطانهم المخلصون لشعبهم المتوخون في أعمالهم الدنيوية ليس فترة وجودهم فيها، ولكن يعملون للأجيال القادمة.. مقدمين ولاءهم لوطنهم على أية مصالح دنيوية زائلة. فهل أدركنا ماذا يعني حب الوطن؟! (*) أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]