قبل أيام قلائل اجتمع صفوة من العلماء وأساتذة الجامعات من داخل اليمن وخارجه في مؤتمر التعليم العالي والبحث العلمي الذي تقيمه سنوياً وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وذلك في رحاب جامعة الحديدة وهي أول جامعة يمنية تتشرف باستضافة هذا المؤتمر, وكنت من ضمن الحضور المشاركين, وقد سرني دقة الإعداد والتنظيم للمؤتمر وكذا حفاوة الاستقبال لكل الضيوف وكوني أنتمي إلى هيئة التدريس في هذه الجامعة الناشئة فقد كان سروري مضاعفاً بكل ذلك التنظيم أما عن المؤتمر فقد تعددت أوراق العمل والأبحاث المقدمة وكانت تناقش محوراً يتعلق بالحلول الابتكارية وهو عنوان المؤتمر لهذا العام. جميل أن نرى قادة العلم يناقشون هموم التعليم العالي ومشكلاته ومدخلاته ومخرجاته وهي جهود مشكورة لاشك أنها ستؤتي ثمارها على المدى الطويل غير أن هذه الجهود يمكن اختصارها مادياً وزمنياً إذا تم الالتفات لمشكلات التعليم الأساسي الذي يعاني فعلاً من مشكلات انعكست على التعليم العالي فالطالب الذي يتخرج وهو لايحسن القراءة والكتابة بلغته الأم كيف يمكن أن يحسن تلقي العلم بهذه اللغة أو بغيرها, واللغة هي وعاء الثقافة والعلم, ثم إن الكم الهائل من المتخرجين ينم عن نوعية رديئة حصلت على درجات نجاحها بطريقة أو بأخرى, ومع هذا التسابق المحموم نحو الشهادات وليس نحو العلم برزت الحاجة إلى فتح أعداد أخرى من الجامعات الحكومية والأهلية مما سمح بظهور التجارة العلمية التي مثلت امتداداً متجانساً لمشكلات التعليم الأساسي والثانوي. لقد تحملت الدولة عبئاً في فتح عدد من الكليات بهدف استيعاب العدد الكبير من مخرجات التعلم الثانوي وكان آخرها فتح كلية التربية والعلوم التطبيقية في ريمة وهي تتبع حالياً جامعة الحديدة, لقد وفّرت هذه الكلية وستوفر لأبناء ريمة كثيراً من الوقت والمال وهي خطوة تحسب لكل من محافظ المحافظة الأستاذ علي الخضمي ورئيس جامعة الحديدة الدكتور حسين قاضي وأعتقد أن هذه الكلية ستكون, كما وعد الدكتور باصرة وزير التعليم العالي والبحث العلمي, نواة لجامعة ريمة إن شاء الله. إن مشكلات التعليم العالي مرتبطة ارتباطاً لا فكاك منه بمشكلات التعليم الأساسي والثانوي ولايمكن أن تبنى الطوابق العليا ما لم تكن الأساسات قوية ومتينة والتعليم كالطفل إذا تم الاهتمام به منذ الصغر فإنه ينمو نمواً سليماً ويصبح قوي البنية سليم التفكير والتصرف. إن أساس نهضة أي أمة هو التعليم, وهناك شعوب تعرضت لشتى أنواع الخسف والظلم من أعدائها, فاليابان مثلاً تعرضت للقصف الذري وأصبحت في وضع لاتحسد عليه ولكن عندما اهتم اليابانيون بالتعليم الأساسي بالدرجة الأولى نشأ جيل يمتلك خصائص القوة ويتمتع بالمؤهلات اللازمة لإحداث كل تلك النهضة الحضارية التي تعيشها اليابان اليوم, ومثلها ماحدث ويحدث في الصين وهناك التجربة الماليزية التي بدأها تنكو عبدالرحمن ثم أنجزها محاضير محمد, والأمر لا يعد مستحيلاً بقدر ماهو في حاجة إلى إرادة قوية وتصميم أكيد على المضي قدماً, فأطراف معادلة النهضة الإنسان (طالب ومدرس) والمنهج والاعتمادات اللازمة للتنفيذ وهذه كلها ممكنة عندنا, فهناك أموال طائلة تهدر في ما لا فائدة فيه ولو وجهت الوجهة الصحيحة لأحدثت انقلاباً في التعليم الذي نشكو تحدياته اليوم ,فالاهتمام بالمدرس والمنهج ينتج طالباً متميزاً ثم مخرجات متميزة وأرجو أن تحذو وزارة التربية والتعليم حذو التعليم العالي في البحث عن حلول لمشكلات التعليم عن طريق مؤتمر وندوات وورش عمل يقدم الخبراء فيها تصوراتهم للحلول المناسبة ثم العمل بهذه الحلول وعندئذ سنرى تحولاً نوعياً ليس في مجال التعليم فقط بل في كل المجالات.