تبقى الأخلاق هي الحكم الأساسي في حياة الناس وهي العصا التي تقسم ظهر المعصية والإكسير الذي يزيل أثر السُم والدواء الذي يطهر الجرح والبناء الذي لا تهدمهُ زلازل الشر والسوء والبُعد عن الفطرة، لأن الأخلاق هي الفطرة الحقيقية وهي الواقع الذي تفرضهُ عدالة السماء لأن خالق البشر أدرى بما يصلحُ شأن هذه النفس الجامحة بفضول إلى كل صغيرة وكبيرة، منظومة القيم والمبادىء الراقية التي منحها الله هدية عظيمة لكثير من البشر حُرم منها أشخاص كثيرون اعتقدوا خطأً أن الحياة مجرد أموال وأولاد وزينة من جميع الألوان على غفلة من الحقيقة التي تقوم على أن حسن الخلق هو الكنز الذي لا يغرق في أعماق المحيط ولا يضيع في أيدي تجار السلاح والعملة الصعبة، ولا يستطيع أن يصل إليه تجار المافيا الذين يسرقون كحل العين ويملأون أنوف شباب العالم بذرات الهيروين المطحون مع ذرات الزجاج والتي تشكل في نهاية الأمر شفرة حادة قاتلة مختزلة في نفس عميق. الأخلاق هي الحضارة والتطور والنمو وهي الرُقي والمخملية والارستقراطية الموشاة بنمنمات من البساطة والزهد والسمو الروحي، وهي فُسيفساء الوجود التي تكمل لوحة الخلق البهي في مقامها الجلي يعبثُ بها البعض ليسقطها من مصاف النجوم والكواكب والشهب إلى قاع الأرض الضحل وهو لا يعلم أنهُ يفرشُ قبرُه بالأشواك وينصب بنفسه مقصلة الموت ويعلق بيديه حبل المشنقة حول عنقه ويتجاهل أن مصيبة سوء الخاتمة هي من أبشع المصائب لأنها عنوان لحياة البرزخ التي تستمر حتى قيام الساعة وما أدراك بما سيحدث بعد قيام الساعة من خزي وذُل وعذاب لا ينتهي أبداً. الأخلاق هي بوابة الدخول إلى قلوب الآخرين والعظيمُ منها طريقٌ معبدٌ بالأمان يعبرُ من خلاله الناس إلى قمة البذل والعطاء والاستقرار دون الحاجة إلى دفع الرشوة أو تقديم الهدية المبتذلة أو بيع الضمير بأرخص الأثمان.إنها صلاح المجتمعات وأداة فاعلة للوقوف في وجه التغيرات التكنولوجية والسياسية والتي لابد لها أن تترك آثارها الجانبية على سلوكيات الأفراد مهما كان موقعهم على الهرم السكاني أو النسبة النوعية أو التوزيع الأيديولوجي. حضارات عالمية تسبقُ زمانها ما زالت تحافظ على باقة أخلاقية جميلة خاصةً تلك المتعلقة بالعمل والأسرة وموقف الأبناء من الوالدين إلى درجة أن بعض المجتمعات منها تقدس بعض الأخلاقيات العامة وتعطيها وزناً كبيراً وهذا ما أدى إلى تطورها صناعياً وبنيوياً وأيضاً سياسياً لأن السياسة أيضاً لا تظهر إنجازاتها الدقيقة بدون وجود أخلاق تكتيكية عالية على كافة المستويات. البيت هو مدرسة الأخلاق الأولى لأنها معين القيم وأصل ألمُثلُ ومصدر المبادىء السامية والبيوت لا تعلو إلا بساكنيها ولهذا يقُال: إن الأم مدرسة، لأنها هي من يغرس تلك المنظومة في عقل الطفل وقلبه فتنعكس على سلوكه وتظهر في كل أفكاره وتطلعاته لأنها تبقى حبيسة العقل الباطن لتظهر في وقتها المناسب.ولا نتحدث عن الأخلاق لاستدراج حالة الانفلات الأخلاقي وإظهارها جلية في حنايا المقال ولكن نتحدث عن قيم غائبة لا يكترث لها الناس ولا يعطونها حقها في الوصف والشهرة والتمكين ولهذا تبقى غائبة عن صفوف المدارس وأحضان البيوت ويبقى كل ما يتعلمه الأولاد والبنات في المدارس عبارة عن نظريات غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع لأنها مشفرة وربما قابعة في صندوق أسود لا يُكتشف حتى بعد تحطم الأجنحة والغرف في أعتى مساحات الحياة وأكثرها ازدحاماً بالبشر.الإحسان والإخلاص والمروءة قيم غافية داخل أرواحنا أو قد يكون لا وجود لها عند البعض بالرغم من أنها أساس متين لسلسلة القيم الجميلة التي تميز الوجود الإنساني ويؤدي وجودها تطبيقاً إلى إرساء حالة السلام والطمأنينة داخل الأفراد وبين بعضهم البعض. الأخلاق رسالة جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه القرآن بتمام الخلق فقال تعالى في كتابه الكريم((وإنك لعلى خلقٍ عظيم)) صدق الله العظيم.سورة القلم آية (4) والأديان السابقة قبل الإسلام تحدثت عن الصدق والأمانة والتواضع ودعت بمجملها إلى التوحيد وتطهير النفس من الآثام والخطايا،غير أن الدين الإسلامي كخاتم للأديان السابقة جاء ليدعو إلى المكارم ويرقى إلى المعالي بالشموخ ومراقبة السر والعلن وإطلاق عنان الأرواح إلى السماء في منتهى الطُهر والعفة بتسليم النواصي إلى باريها والوقوف بين يديه خمس مراتٍ مرشحة للزيادة (بين فروض ونوافل) حتى لا تبقى أدران الروح والجسد. أعمال إيقاعية تشرح الصدور ما بين يومية إلى أسبوعية إلى شهرية ثم سنوية في صلاة وصيام وإقامة خُطب وأمر بمعروف ونهي عن منكر وبذر للخير في سعي دؤوب لإثقال الميزان والوصول إلى الصراط والحذر من الوقوع عنه إلى جهنم. أتساءل دائماً: ماذا يجني الكاذبون والمحتالون واللصوص وأرباب الفتن؟!!هل يجنون مالاً؟ هل يكسبون ربحاً؟! ما الذي يحصلون عليه تحديداً؟! إنهم يفقدون كل شيء..كل شيء ماداموا لا يملكون حسن الخُلق.