بعد أقل من ثلاث سنوات من ظهوره, بلغ الحراك سن الهرم، وأمسى كل من فيه غارقاً بحيرته يبحث عن سر الشيخوخة المبكرة، وفوضى التمزق، ومصدر عاصفة الخلافات التي تجتاح تكويناته وتمعن بتشتيتها, غير أن قوة الصدمة انتزعت قدراته على لملمة أفكاره والتركيز لبلوغ ضالته. إن أولى الحقائق التي قفز فوقها الحراك هي أنه لا يؤمن بالواقع إطلاقاً, ودأب على فرض أمانيه وأفكاره على أنها هي الواقع, وظل يعيش فيها حتى اللحظة التي بدأ يصطدم بالواقع الحقيقي. فهو أجهد نفسه في الترويج على أن جميع أبناء المحافظات اليمنية الجنوبية انفصاليون، وأنه يمثل خيارهم السياسي, وهذا يجافي الحقيقة. ثانياً: إن الحراك صعّد خلال هذا العام حربه ضد أحزاب اللقاء المشترك بعد أن كانت قاصرة على الحزب الحاكم كما لو كان هو قد هبط من السماء، متجاهلاً حقيقة أن الساحة السياسية في الجنوب كانت قبل ظهوره موزعة بين مختلف الأحزاب, وأن الحراك نشأ من خليط عناصر انتهازية وافدة من جميع تلك الأحزاب وأولهم زعيم الحراك الذي كان أميناً عاماً للحزب الاشتراكي، وهي مفارقة مثيرة للسخرية في ظل حملة التجريم التي يشنها الحراك ضد الاشتراكيين!. وهي أيضاً تلغي الصفة التي يدّعي بها تمثيل الجنوب نظراً لعدم اعترافه بأبناء الجنوب المنضوين تحت مظلة أحزاب أخرى بما فيها الحزب الذي حكم الشطر الجنوبي قبل الوحدة منفرداً. وفي ضوء هذا التخبط فضّلت القوى الانتهازية ذات الانتماءات السابقة الإبقاء على رجل داخل تنظيماتها القديمة ولعب دور مزدوج مخافة الانقلاب عليها وإقصائها على غرار ما يجري حالياً من طرد لقيادات في الحراك، الأمر الذي فتح أبواب الانشقاقات الاستباقية، وأوجد مكونات مصغرة تعادي بعضها البعض. ثالثاً: إن الحراك حاول تقليد الحركات الثورية وحركات التمرد في العالم التي تصنع لنفسها أباً روحياً وتجعل الولاء له عنواناً لرص صفوفها، إلا أنه لم يجد سوى شخصيات مستهلكة وتاريخها أسود وحافل بالجرائم والصراعات والفساد, فكان ذلك رادعاً بقوة للساحة الشعبية التي يراهن عليها وفي مقدمة أسباب تشرذم عناصره إلى ولاءات تجتر نفس حسابات وصراعات الماضي القادمة منه. لذلك انحصر نشاط الحراك داخل تجمعات قبلية متخلفة، أو في أوساط المراهقين والبلاطجة, وتحولت القوى المستنيرة إلى قاعدة إجهاض لأنشطة الحراك تعمل على محاصرته، فليس على وجه الأرض حركة تنادي بالعودة إلى مخلفات الماضي إلا الحراك!. رابعاً: نظراً لنشأة الحراك من قوى انتهازية فقد تعددت المشاريع في ظل تسابق على المنافع المادية التي يقدم بعضها مغتربون أثرياء ممن فروا بالأموال بعد هزيمتهم في حرب الانفصال، وآخرون مضللون بالحملة الإعلامية, فيما البعض الآخر من هذه الأموال صارت تدرّه جهات خارجية لها أغراضها السياسية في خلخلة استقرار الساحة اليمنية, وعليه أصبح أي إعلان عن تأسيس مكون جديد للحراك بمثابة إشعار للخارج بالجاهزية لتلبية طلباته. خامساً: ترجم الحراك سلوكاً بربرياً همجياً في فعالياته من خلال نشاطه التخريبي الذي طال حتى المدارس والمراكز الصحية، والذي تطور لاحقاً إلى سلوك عدواني دموي وأعمال نهب وسلب وقطع الطرق, ليخرج بذلك عن قيم المجتمع في الجنوب نفسه الذي يعيب هذه الممارسات ويستهجن أي همجية شاذة عن الآداب العامة والعقائد الإسلامية.. ومن هنا يتجلّى لنا مدى شذوذ الحراك عن الواقع وتجرده من ثقافة البيئة التي يراهن عليها ليعيش في عالم وهمي يصنع فيه البطولات الخارقة على صفحات الانترنت وليس على الأرض.. وأخيراً فإن الغرور الذي عاشه الحراك بفن صناعته للأوهام أنساه الحسابات الدولية, لذلك يصطدم اليوم بالإجماع العالمي على رفض المساس بوحدة اليمن. كم يبدو غبياً أن يتحدى ثلة من الهمج إرادة وطن وعالم بأسره!!.