عندما يسود الإزعاج وتختلط مكبرات الصوت من كل حدب وصوب, وتكثر ضوضاء الشوارع تنقلب الحالة إلى فوضى وضوضاء لا تُحتمل.. هناك فقط لحظات من الهدوء النسبي والراحة بعد يقظة الفجر مباشرة, فلا نسمع إلا شدو الطيور المتنقلة بين أغصان الشجر, وكأن بزوغ الفجر بأنواره بشارة بهيجة لعالم الطيور فيا فرحة الطائر إذا رأى تغابيش الفجر. لكن سرعان ما يتعكر بعد ذلك صفو الجو وتتكدر النفوس, عندما يبدأ الإزعاج أثناء ازدحام الطرقات والأزقة بالحافلات والسيارات والدراجات النارية بأصواتها المزعجة، مختلطة مع أصوات هاونات السيارات التي لا تنقطع طوال النهار إلى منتصف الليل. فالإزعاج انواع, وهو في حالنا هنا مرتبط ببرامج التطوير والتنمية، ويأتي من مصادر عدة منها: - أصوات محركات السيارات وعوادمها والحافلات الضخمة والتجمعات في الأسواق والمناسبات العرائسية وفي المباريات الرياضية وفي المقاهي وفي تجمعات الناس وازدحامهم في أسواق القات و في مواقع الترفيه والتنزه، وفي مواقع البناء والآلات المستخدمة فيه. ولكن لم لا يدرس أثر هذا الإزعاج على حياة الناس! ولم لا يأتي أحد على وضع دراسة أثر الآلات الخاصة بالأماكن المزعجة, مثل أثر أصوات الآلات الخاصة بمدن الترفيه والألعاب في كبرى حدائق المدن. - من كل ما سبق يمكن القول: إنه لا يوجد خط أحمر يحدد مسار تطور الاستثمار السياحي في منطقة ما بحيث لا يتأثر المجتمع في المستقبل.. ولكن بالتخطيط المسبق والدراسة الدائمة والتقييم المستمر لسياسات التطوير التنموي توضع الأمور دائماً في نصابها, ولا تدع مجالاً للتدهور سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو الحضاري أو البيئي، خاصة وأن الاستثمار السياحي يجلبُ الكثير من الأرباح, وهنا نود القول: إن المدن التي يرتادها السائحون غالباً ما تكون خالية من الملوثات البيئية والإزعاجات البشرية.. والإزعاجات تدخل ضمن الآثار البيئية, ومن عوامل عدم ارتياح أفراد المجتمع الاختناقات المرورية أو ركاب حافلات النقل داخل أو خارج المدن. سهرة بلا نوم - هي حكاية بين آلاف الحكايات, التي لا تخلو من الإزعاج مثلاً عن رجل عجوز لا يمتلك بيتاً فيتردد على ((مقهاية)) في رأس الشارع ينزوي في أحد أركانها متابعاً الضجة والضوضاء في المقهى, الذي يفتح أبوابه في مطلع الفجر حتى ساعات متأخرة من الليل والإزعاج لا ينقطع، فأصبح الرجل العجوز الذي صنع لنفسه مرقداً من كراتين لا يستطيع النوم إلا وسط الضوضاء والإزعاج, فالليل يخف فيه الإزعاج من الشارع والمقهى لكنه يبيت ساهراً ولا ينام إلا عند افتتاح المقهى وارتفاع الأصوات, وهكذا عوّد هذا الرجل العجوز نفسه على ألا يرتاح إلا برفقة الإزعاج “ولله في خلقه شئون”.