الذوق العام يكاد يكون في إجازة مفتوحة في بلادنا وهو ما نلمسه في كثير من التصرفات والسلوكيات الخاطئة التي تُمارس وعلى نطاق واسع سواء في الشارع أو في العمل أو في غيرها من الأماكن، سلوكيات تفتقد إلى الذوق العام ولا تراعي مشاعر الآخرين على الإطلاق، يُمارسها البعض معتقدين أنها أمور “عادية”، بينما هي مؤذية للناس ولمشاعر الآخرين، وسنحاول هنا الحديث عن بعض هذه السلوكيات. في الشارع نجد الكثير من السلوكيات اليومية التي تحولت إلى ما يشبه ظاهرة مثل الشتائم والمعاكسات وعدم احترام النظام، وإلقاء القمامة والبصق في الشارع على مرأى من الجميع، كما أننا نلاحظ أن أغلب الناس يفضلون المشي في وسط الشارع بين السيارات ولا يستخدمون الرصيف المخصص لهم، وأيضاً قيادة البعض سياراتهم بصورة مزعجة، أو أن يقف أحد السائقين في وسط الشارع ليتحدث مع زميل له دون مراعاة لمشاعر الآخرين، والبعض منهم لا يخجل فيفتح زجاج السيارة ويرمي القارورة أو السيجارة أو بقايا القات من فمه وبكل بجاحةٍ دون أي احترام للطريق وسالكيه، وأكثر ما يثير الاستغراب هو (الجرأة) التي يمتلكها أمثال هؤلاء أثناء إقدامهم على تلك التصرفات المشينة، والمضي قدماً بكل ثقة من دون إبداء أي احترام سواء للمكان العام أو للمارة، بل إن أحداً إذا حاول نصحهم لا يتورعون عن شتمه بالقول: “وهل الشارع حقك أو حق أبوك؟”.. أليست هذه التصرفات قلة ذوق؟! أيضاً من السلوكيات المرفوضة التي تدلل على غياب الذوق العام ما يحدث في الأعراس من استخدام لمكبرات الصوت وما يسببه ذلك من قلق وإزعاج للكثير من السكان يستمر طوال النهار وحتى وقت متأخر من الليل، ولا يراعي معه أصحاب الأعراس حرمة الجوار ولا حقوق المرضى، ويا ليت هذا الإزعاج يتوقف عند حدود مكبرات الصوت، بل إنه يتواصل وبصورة أكثر حدة مع انطلاق مواكب الأعراس التي تتكون من عدد من السيارات تجوب الشوارع وتترك العنان لأصوات أبواقها التي تستمر على نفس الوتيرة من أمام الصالة حتى منزل العريس مسببة الكثير من الإزعاج والضوضاء, إضافة إلى عرقلة حركة المرور والسير في الشوارع التي تتحول إلى ملكية خاصة لهؤلاء، فكل شيء يتوقف في الشارع عن الحركة ريثما ينتهي المحتفلون من طقوسهم العرائسية .. أليست هذه السلوكيات قلة ذوق؟! حمى المظاهرات والاعتصامات التي اجتاحت البلدان العربية ووصلت عدواها إلى بلادنا مؤخراً, أبينا إلا أن نمارسها بأسلوب غير حضاري، حيث تخلى الجميع عن الذوق العام وهم يمارسون حقهم في الاعتصام والتظاهر السلمي، فاختاروا المكان الذي يريدونه وحولوه إلى ساحة لتنفيذ اعتصامهم بغض النظر عن كون هذا المكان شارعاً عاماً أو وسط حي مليء بالساكنين، صحيح أنه لا وجود للساحات والميادين العامة في تعز مثلاً لكني اعتقد بأن إخواننا المعتصمين لم يكونوا ليعدموا إيجاد مكان يمارسون فيه حقهم بعيداً عن قطع الشوارع واحتلالها وحرمان المواطن من قضاء حوائجه وأعماله ومصالحه، لستُ ضد الاعتصامات والتظاهرات السلمية كحق مكفول في الدستور والقانون طالما تضمنت مطالب مشروعة، لكني ضد عدم مراعاة حق الطريق وحق الناس في الشعور بالأمان أثناء سيرهم فيه، وتحويل الشارع إلى مسرح للخلافات والصراعات الحزبية الضيقة.. أليست هذه الممارسات قلة ذوق؟! وهناك الكثير من هذه السلوكيات العشوائية الشائعة التي تؤشر إلى ضعف الوعي، فضلاً عن غياب أي رادع أو عقاب يمنع صاحبها من فعلها، الأمر الذي زاد من تفشيها حتى أصبحت كالوباء الذي يتمدد في المجتمع، واعتقد أننا بحاجة إلى مبادرة مجتمعية للارتقاء بالذوق العام تستدعي القيام بمحاولات لإحياء بعض السلوكيات المفتقدة كالشهامة والاعتذار والاستئذان والنظافة واحترام النظام وحقوق الآخرين وتوعية الناس بكيفية التعامل الحضاري الراقي مع بعضهم البعض. [email protected]