ظاهرة أصبحت اليوم مصدراً لقلق وانزعاج الكثير من سكان المدن كونها قد خرجت في معظم الحالات عن المعقول والمألوف وبدأت تشوّه الوجه الحضاري لسكان المدن والحياة المدنية لتصبح أحد مصادر التلوث السمعي، إنها ظاهرة استخدام مكبرات الصوت في الأعراس.. حلّ علينا الصيف ليحمل لنا كالعادة الخير والرحمة من رب العباد، وبالمقابل تصاحبه بعض المظاهر الاجتماعية المزعجة والمقلقة للسكينة وراحة البال، وأقصد بذلك ظاهرة الأعراس والتي تكثر في فصل الصيف وما يصاحبها من عادات سيئة ما أنزل الله بها من سلطان كمكبرات الصوت المقلقة والباعثة للضوضاء والصخب بأغانٍ هابطة ومقززة. فقد تجد نفسك تنام على طبول «البرتقالة» وتصحو مفزوعاً في غير موعد استيقاظك على صياح «العنب.. العنب» مغصوباً على أن تشارك جارك رقم سبعين أفراحه، وبدلاً من أن تحصل على دعوة للمشاركة والمقيل تكون بصمتك وحسن إصغائك افضل جار عندهم لاستماعك وتذوقك لمواهب من يقعون خلف مسجلات الأعراس ومكبرات الصوت، والأعجب من ذلك أننا وجدنا من يحرص على اتباع هذه الظاهرة ويبالغ فيها الفقراء المعدمون قبل الأغنياء المتخمين..قبل استفحال هذه العادة وتحولها إلى ظاهرة مزعجة كنا نفرح عندما نعلم بأن أحداً من سكان الحي سيتزوج فنشاركه أفراحه بعادات وتقاليد ورثناها من إسلامنا مضمونها هادئ ورزين، أما اليوم أصبحنا نخاف ونقلق فنصاب بالاكتئاب والهم ونظل لأكثر من أسبوع في مرمى نيران مكبرات الصوت وما تقذفه لأسماعنا من قنابل يقال عنها فنية تسبب لنا الدوار والصداع وتعل السمع حتى نهاية العرس، ومما يزيد الغم غماً أن نجد من الجيران المتحمسين لمشاركة أصحاب العرس أفراحهم من يقوم بنصب سماعة كبيرة على سطح منزله لتتحول الحارة بعدها إلى مهرجان غنائي جماعي صاخب لا تسمع بسببه داعياً أو مجيباً. تلويث للأذواق ما بدأت به بعض القنوات الفضائية من تلويث لأذواق أطفالنا وشبابنا بالأغاني الهابطة وكلماتها المخلة بالأدب والذوق يستكمل نقله إليهم بأفعال بعضنا في الأعراس، وعلى أثير مكبرات الصوت يرقص الأطفال قبل الكبار على ايقاعات وأغانٍ من شاكلة «بحبك يا حمار» فلم يعد للفن الشعبي العرائسي مكان في بعض الأعراس وفيه أروع ما غنى أيوب طارش ومنى علي للعروسين وغيرهما من الفنانين اليمنيين، فهناك بعض من شبابنا يتغنون بالألحان العربية والغربية في حلقات الزفة الخارجية أو عن طريق وضعها في مكبرات الصوت، هذه العادة بدأت تنتقل بسرعة مخيفة من عرس إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى لنجد نفس الألوان الغنائية نسمعها في كل عرس يصادفنا لتصبح مثل تلك الأغاني شعاراً عرائسياً متعارفاً عليه يفترض منا عند سماعنا لها أن نبتهج ونطلق لأسارير وجهنا العنان. للحرية حدود الأغلبية من الناس قد لا تعارض ذلك التصرف، وبحكم العادة أصبحت بالنسبة لهم من الضروريات في الأفراح «وما يسبر عُرس إلا بشوية طنة ورنة ولو زودوها شوية» ويعتبراو ذلك التصرف جزءاً من الحريات الشخصية المسموحة شرعاً وقانوناً، لكن البعض منهم قد لا يدرك أن حرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، فلا يجوز أن نبالغ برفع الصوت والأغاني في الأعراس وبجوارنا من قد يكون مريضاً أو شائباً أو عزاء ومن يريد أن ينام باكراً ليلحق بعمله في الصباح ومن لديه امتحانات من الطلاب ويحتاج إلى الهدوء، وليس من الذوق أن تظل مكبرات الصوت تصدح بالأغاني حتى وقت متأخر من الليل والحرص على فتحها في أوقات الصباح الباكر ولايزال معظم الخلق في سبات عميق..وما يثير السخط والاستغراب على بعض الأعراس هو أن منهم من يفتح مكبرات الصوت مع بداية بزوغ ضوء النهار فيستفتحون بالقرآن الكريم لفترة قصيرة وفجأة يتحول الجار المفزوع من نومه من أجواء الروحانية بسماعه للقرآن إلى زعيق ونهيق الأغاني الصاخبة في تصرف يعكس بلادة لهاوٍ إعلام يحسب نفسه في إذاعة محلية. تباهٍ وتفاخر .. جميلة طاهر مدرسة والتي كان لها رأي حول هذه الظاهرة فتقول: أصبحت هذه الظاهرة للأسف الشديد من العادات والتقاليد، وكل واحد أصبح يتفاخر ويتباهى بأجمل ما يزف به من وجهة نظره، وأصبح هناك اعتقاد عند الناس أنه كلما كان الإزعاج والصوت مرتفعاً أعطى ذلك قيمة وأهمية للعرس، ومن يقرر أن يجعل عرسه هادئاً ودون مبكرات الصوت يتهم بالبخل أو يظن الناس أن ظروف العرس تشوبه شائبة، ولابد أن تشدد الأجهزة الأمنية العقوبات على من يستخدم مكبرات الصوت المزعجة وتمنع استخدامها ليلاً أو نهاراً، وتفرض غرامات أو عقوبات مناسبة على من يخالف حتى يكونوا عبرة لغيرهم. الحل في التوعية والتوجيه .. عارف عبداللطيف الصبري مدرس في مدرسة السلام يرى: إن هذه الظاهرة تختلف من مجتمع لآخر ومن أسرة إلى أخرى، كما أنها ترتبط بثقافة المجتمع أو الأسرة التي تقيم العرس، فهناك مناطق في اليمن لا توجد لديها هذه الظاهرة، وبالمقابل هناك مناطق أخرى يبالغ أهلها في إشهار العرس بمكبرات الصوت، وهذا الاختلاف يعود إلى اختلاف مستوى التعليم والوعي، وغالباً ما نجد هذه الظاهرة متأصلة في الفئات الأشد فقراً وجهلاً .. والتوعية والتوجيه للمجتمع هو الحل للحد من أضرار هذه الظاهرة، فلا تستطيع الجهات المعنية ضبط المخالفين ولا يمكن أن تضع مراقباً أمام كل منزل فيه عرس، وبما أنها ظاهرة اجتماعية موجودة في كثير من المدن والقرى فهي تحتاج إلى توعية الإعلام بوسائله المختلفة ومن خطباء المساجد والمثقفين. ضوابط عملية .. الشيخ فؤاد السبئي يقول: هذه الظاهرة دخيلة على مجتمعنا، ولا يمكن أن نمنع العريس وأهله من إشهار فرحتهم بهذه المناسبة والتي تعتبر فرصة نادرة في حياة من قرر الزواج، ولكن أن تصاحبها ضوابط أخلاقية تسمح للعريس وأهله بأن يفرحوا وفي نفس الوقت لا يؤذوا الآخرين بسبب وضع مكبرات الصوت فوق السطوح على أن تكون هذه السماعات داخلية ويسمح لها في أوقات محددة تحترم فيها أوقات الصلاة وأوقات النوم وأيام الامتحانات. أغانٍ ليست في المستوى .. عبدالرحمن يحيى، مدرس في مدرسة الصديق: هذه ظاهرة مزعجة ولا تراعي حرمة الجوار وحرمة الأمراض، وأصبحت فترة استخدامها فترة أطول، وأحياناً لا تراعي أوقات الصلاة، كما أن الأغاني المستخدمة في الأعراس هذه الأيام معظمها ليست في المستوى ومخلة بالأدب؛ فياحبذا لو كان هناك تقنين لاستخدام هذه المكبرات بوضع ضواط لها من جهة السلطة المحلية، وفي بعض الأعراس يقوم بعض أصحاب السيارات بالتفحيط وعمل لفات تعرف عندهم ب«التخميسة» مما يؤدي إلى وقوع حوادث وإصابات. حق مشروع .. أما علي غالب شرف فكان له رأي مختلف فيقول: إن من حق العريس أو أسرته أن يفرحوا بهذه المناسبة فلا يوجد قانون يمنع استخدام مكبرات الصوت في الأعراس، وهذه أصبحت عادة مألوفة ومتعارف عليها، كما أن الأعراس لا تقام في الحي إلا في أوقات معينة من السنة، والعرس لايستمر أكثر من اسبوع ولم نجد من يشتكي من استخدام مكبرات الصوت في الأعراس، فالكل يستخدمها. خلف المكبرات مراهقات .. م.ن.م طالبة في كلية التربية تقول: إن معظم من يقف خلف مكبرات الصوت في الأعراس مراهقات، ففي الغالب يكون الرجال منشغلين بأمور أخرى في العرس ولا يجدون الوقت أو حتى يحبذون الوقوف خلف المسجلات لتشغيل الأغاني، فالنساء وبشكل عام والمراهقات بشكل خاص «مولعات» بأغاني الأعراس والأغاني الشبابية وفي العرس يجدن متنفساً لاختيار ما يروق لهن من أغانٍ ورفع الصوت على هذه المكبرات. خلونا نطلب الله .. محمد فرحان الشرعبي، عامل في محل لتأجير مستلزمات الأفراح يقول: من قبل كنا نؤجر مكبرات الصوت المستخدمة في المدارس والجوامع، وكان الطلب عليها مرتفعاً، ونادراً ما كان واحد يطلب استئجار سماعة داخلية، أما في الوقت الحالي فقد استبدلنا هذه المكبرات بسماعات من مختلف الأحجام، ونقوم بتأجيرها بسعر اليوم الواحد، وتختلف أسعارها حسب حجم السماعة، والزبائن عادة ما تطلب استئجار السماعات الكبيرة بسبب قوة الصوت المنبعث منها، أما المكبرات القديمة فلم تعد مطلوبة في المدينة. .. ويختتم كلامه صارخاً ومعاتباً: يا أخي رزقنا من تأجير هذه السماعات «لاتخربوا علينا المهرة» خلوا الناس يفرحوا وخلونا نطلب الله. حفلات مقلقة ومن مصادر الإزعاج والضوضاء المقلقة لراحة السكان حلقات الأعراس الخارجية والتي تعرف بالزفة والتي تؤدي إلى سد الشارع وتعرقل حركة السير فيها لا تخلو من بعض السلوكيات غير المألوفة في أوساط بعض الشباب المشارك فيها، وحفلات الزفة الخارجية في أغلبها تجمع أصنافاً وألواناً من الشباب ومنهم موالعة الرقص وكالعادة تنتهي هذه الحفلات أحياناً قبل موعدها بمشاجرة ترفع فيها الجنابي والمسدسات والأخف ضرراً قد نجد «قايشاً» في يد أحدهم، وتكون نتيجة هذه المعركة دماء وجروحاً بالغة، وأحياناً يصل الأمر إلى القتل لدرجة أننا أصبحنا نخاف من مثل تلك الليالي بحلقاتها فمن له غريم عليه بحلقات الأعراس، ومن يرد أن يجعل من ليلة عرسه حمراء عليه أن يخسر لها ويحضر فرقة شبابية تشاركه فرحته وتجر وراءها أصنافاً من الشباب منهم المنحرفون ليشهروا عرسه بعدة طلاقات نارية مفتخرة أو بمعركة حامية الوطيس تصل شهرتها إلى أقسام الشرطة وعلى اثرها يقاد كل من شارك في الشجار ومن أطلق النار إلى الجهات الأمنية ولا نستبعد أن نجد العريس نفسه في ليلته ضيفاً في أحد أقسام الشرطة بسبب سوء تقديره للعواقب. أماكن خاصة .. عبدالباسط محيي الدين «صاحب بقالة»: زفة العريس في الشارع هي عادة قديمة، ولابد منها وفي الوقت الحالي قد تغير مضمونها في بعض المدن ولم تعد زفة انشادية واستبدال المنشد بالفرق الفنية الشبابية والتي تستخدم مكبرات الصوت تؤدي إلى إزعاج، كما أن هذه الزفة قد تبدأ في وقت متأخر من الليل وتستمر أحياناً إلى ما بعد منتصف الليل، فلابد من تنظيمها من قبل الجهات الأمنية والمجالس المحلية بتحديد أماكن خاصة لها أو يلزم أصحابها بعملها في قاعات مغلقة تفادياً لما قد تحدثه من أضرار في اقلاق راحة السكان وتجنباً للمشاكل التي يثيرها بعض الشباب عند تجمعهم، وأنصح الشباب ممن يريد أن يكمل نصف دينه الاستعانة بالمنشدين لإقامة حفلة الزفة وعدم إطالة وقتها إلى أوقات متأخرة من الليل. الخروج عن المألوف .. علي أحمد ناجي «موظف»: حفلات الأعراس الليلية في الشوارع معظمها تسبب الإزعاج للسكان خصوصاً عندما تكون في وقت متأخر من الليل، كما أنه قد يحدث فيها الكثير من المشكلات والمشاجرات وخروج الشباب فيها عن المألوف.. وأنا لا أحبذ فكرة منعها، ولكن أنا مع إقامة هذه الحفلات على أن تكون في أوقات مبكرة، وعلى أن تراقب عن طريق عقال الحارات حتى لا تنتهي بمآسٍ وأحزان وتجنباً للإزعاج الذي يؤذي سكان الحارات. دور الجهات المختصة الجهات المعنية كانت قد أصدرت قراراً بمنع مكبرات الصوت في الأعراس واستبدالها بسماعات داخلية، كما أنها منعت إقامة حفلات الأعراس التي تسمى «بالزفة» في أوقات متأخرة من الليل إذا كان فيها مكبرات الصوت تؤدي إلى إزعاج السكان وإقلاق راحتهم، وبالفعل تم ذلك؛ فشددت الجهات الأمنية في تنفيذ هذا القرار إلى درجة أنها أرسلت بعض الجنود إلى بعض أصحاب الأعراس المخالفين إلا أن إبلاغ الجهات الأمنية بالمخالفين من أصحاب الأعراس يعتمد بالدرجة الأولى على البلاغات المقدمة من عقال الحارات، ولأن عقال الحارات هم العين الأولى للجهات الأمنية في الحارات لاحظنا أن بعض تلك الأعراس استثنيت من هذا الإجراء لعدم الإبلاغ عنها في الأصل، فمازلنا بين الحين والآخر نلاحظ استمرار مظاهر الضجيج باستخدام مكبرات الصوت واستمرارها إلى أوقات متأخرة من الليل وعلى وجه الخصوص في حفلات الزفة الليلية المقامة في شوارع الأحياء، ومن تخلى عن استخدام مكبرات الصوت الممنوعة استبدلها بسماعات عملاقة تحدث نفس الضجيج وقد يكون أسوأ، وكما يقول المثل الشعبي: «ديمة وخُلف بابها».