الديمقراطية كنهج سياسي صاغت أبجدياته إرادة الأمة وآمنت بفكره وعملت على ترسيخه في الضمائر والمشاعر والأفئدة وعياً متحضراً وخياراً لا رجعة عنه في خلق فضاءات أرحب ومساحات أوسع للحرية في رفض كل أشكال الوصاية, وصولاً إلى تقرير حقه في حكم نفسه بنفسه.. وهذا بالطبع لا يتحقق إلاّ بالوعي والالتزام بالضوابط وبمضمون التجربة ومحتوياتها القانونية والدستورية والاجتماعية والأخلاقية والفكرية.. الخ بعيداً عن الفوضوية والأنانية وحب الذات وتفصيل المفاهيم والفكر الديمقراطي والتعددي وفق مصالح ضيقة لا تحترم الإرادة الشعبية, وتعمل على خلق واقع هزلي يعبث بكل الثوابت بروح خالية من المسئولية تجاه الفكر الديمقراطي, الذي يجب أن يسود بل ويكون لسان حال كافة الأحزاب وعياً وسلوكاً عملياً يعكس مدى التزامها المبدئي بالنهج الديمقراطي العام, الذي ارتضاه الشعب خياراً لا يقبل المزايدة.. فهل كان الإنجاز الوحدوي العظيم في 22مايو 90م نزوة عابرة؟ وهل تحقق الإنجاز الديمقراطي والتعددية السياسية القائمة على مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الطرق المشروعة, إلا لترسيخ بنيان الوحدة والديمقراطية, وخلق مساحة واسعة من الحرية للشعب في تقرير مصيره عبر ممارسته لحقه الدستوري وعدم حرمانه من استحقاقه الديمقراطي المشروع, فلماذا إذن نصم آذاننا عن سماع صوت الحق ونرفض مع سبق الإصرار والترصد تلبية نداء الواجب الوطني وتغليب المصالح الوطنية العليا والتنكر لثرواتنا ونزواتنا الفردية الضيقة, حتى نستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصداقيتنا أمام أنفسنا وضمائرنا وقواعدنا والشعب عامة ونحتكم للمنطق والفضيلة, فليس من العيب الرجوع إلى الحق, ولكن العيب التمادي في السير على طريق الباطل والغرور والمكابرة.. وهذا وللأسف الشديد هو المشهد العبثي, الذي تعبر عنه مواقف أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك تجاه الشعب والوطن وثوابتهما الديمقراطية, والتي ما كان للمعارضة أن توقع نفسها في هذا المأزق وهذه العزلة, بل وهذه الغربة التي تتجلى للعيان في حالة من الاستسلام المشين لفوضى الوعي البليد، فأي معارضة تلك التي تعلن الانقلاب على الديمقراطية التي هي فكر وسلوك الأمة المتحضر والتعبير عن قناعاتها ووعيها العام.. أقول أي معارضة تفعل ذلك في الوقت الذي تطالب فيه بالتداول السلمي للسلطة وفق ديمقراطيتها المشتركة القائمة على أساس من الفوضى وعدم احترام إرادة وقناعات الشعب عبر صندوق الاقتراع، وأي معارضة في العالم أجمع تقف في وجه السلطة, ليس لتمكين الشعب من ممارسة حقه الدستوري في انتخاب ممثليه, وإنما لمنع الشعب من ممارسة هذا الحق حتى يصبح الوطن والشعب ساحة غاب ووحوش يحكمها “مشروع الغاب” وفق ديمقراطية المعارضة الرافضة لأية انتخابات, وتقف بكل قواها وإمكاناتها لمعارضة الديمقراطية الحقة من أن تنتصر خدمة لشهوات وعي مريض تمادى حتى وقع في المحظور وخسر كل رهاناته, فأصبح كالشارد من الإبل يتخبط في صحارى فكره الرجعي وجعجعاته “البلاطحين”..؟. لقد تعودنا جميعاً أن أي سلطة في العالم هي التي تقف في وجه المعارضة لمنع أو تأجيل أو تدويل إجراء أي استحقاق ديمقراطي دستوري للشعب, خوفاً منها على مصلحتها, ولكننا وأمام واقع الحال الذي تعيش أحزب اللقاء المشترك مفارقته العجيبة ومواقف هذه الأحزاب المعارضة نجد أنفسنا مبهورين حتى الدهشة من هذا الوضع المقلوب, الذي أصبحت فيه السلطة هي من تدعم قرار إجراء الانتخابات بينما المعارضة هي التي ترفض إجراء هذا الاستحقاق وتلجأ لتعطيله إلى كثير من الوسائل؟ أليس ذلك هو العجب العجاب..؟ وألسنا على حق عندما نقول إن ديمقراطية المعارضة هي الفكر المعارض وبشدة للديمقراطية الحقة؟ فيا أيها المتباكون على اليمن.. والحريصون على أمنها واستقرارها والمطالبون دوماً بتهئية الأجواء, أليس هذا هو العذر الأقبح من ذنب لعرقلة حدث كالانتخابات.. إلا إذا كان المقصود بتهيئة الأجواء هو التمهيد لحياة فراغ دستوري هُيئت أجواؤه مسبقاً فأنتم على حق في ذلك.. ولكن!! ألم تدركوا بعد أن اليمن عصيٌّ في النائبات وإرادة شعبه وقيادته المخلصة صلبة لا تلين لأي ابتزاز أو تستسلم له.. موعدنا صباح ال”27”من أبريل القادم, وإن غداً لناظره قريب.. والله مع الوطن والشعب والحق المبين. “وأما الزبد فيذهب جفاء.. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.