اختلف سوق الزواج الحالي عن أيامنا البائدة، فلم تعد الأم هي التي تبحث لابنها عن العروس بنت الحلال، بل وعن طريق الانترنت يتعرف الشاب على الآلاف من بنات الحلال والحرام. وسوق الانترنت حاليا يضم خليطا عجيبا من طلبات وعروض الزواج مثل أي سوق لبيع الخرفان والماشية والعطور والإكسسوارات. لقد انقلب الزواج من السكن إلى السلعة، ومن معنى ممزوج بالقدسية إلى سوق لا تخلو من العبث والعبثية. ولنتأمل هذه المشكلة من ثلاث جهات؛ تطورها الحالي، ومخاطرها ومزاياها. كانت العادة القديمة في الزواج ذهاب الوالدة تخطب لابنها، فتدخل بيوتا شتى وتشمشم بنات مختلفات على ذوقها، ولكن مع اقتحام الانترنت بأمواجه بيوت أكثر من مليار من البشر أصبح سوق الزواج مختلفا مباشرا، لا يخلو من الخداع والتدليس، إلا أنه فتح نافذة عجيبة من تعرف الرجل على النساء. وكمية البنات والشباب الموجودين على الشاشة حجم مخيف من كل الأرض، وحسب الثقافات، فمن المغرب سوق نشط وهو شبه مغلق من دولة محافظة مثل السعودية. وميزة الزواج القديم كان في التعرف على بنت من نفس البلد فتراها الأم كأنثى لتقرر جمالها من قباحتها، ونظافتها من قذارتها، وأناقتها من ابتذالها، بل وتشم رائحتها، لتكتشف بخر الفم، ورائحة العرق، واتساخ الملابس وخشونة اليدين، وبالضم تكتشف امتلاء الثديين عفوا من العبارة فهذه الحقيقة. وكانت العادة من (الخطابات) أن يطرقن الأبواب بصراحة في طلب يد البنت وأحيانا على نحو غير مباشر، فتدخل الفتاة فتتقدم بفنجان قهوة فتتأملها الأم الخاطبة وتعانقها لتكتشف خفايا جسمها وأسرار عللها وأمور تعرفها النساء أكثر من الرجال. أما اليوم فقد تغير الوضع وبدأ الشباب في التعرف على الآلاف من البنات وعن طريق الانترنت. ومثلا في موضع (قران) العالمي يوجد مليون عضو، فإذا أراد الشاب أن يعرف ساحة الزواج فليس عليه سوى كبس زر الكمبيوتر، ثم وضع الطلبات من العمر والبلد والصورة والعمل والدخل والثقافة والدين بل وحتى المذهب، بالإضافة إلى وضع فلترة خاصة، مثل البنت التي تضع فلترة أن لا يدخلها حرمها من هو فوق الستين مثلا، أو ساكن في دولة معينة، أو متزوج يبحث عن زوجة ثانية وما شابه. وخلال ساعات قليلة يتعرف على كمية هائلة من الطلبات، ليقوم بعدها بتحديد طلباته أكثر، ثم إجراء المحادثة المباشرة سواء بالكتابة أو الحديث بالشات أو أخذ الإيميل للمراسلة أو حتى التلفون للمحادثة، وهكذا تقوم اتصالات لا حصر لها بين طلاب زواج حقيقيين، أو مخادعين وهميين من طراز كازانوفا وراسبوتين ودون جوان. وفي العرض يمكن للشاب تأمل الفتيات: من عرضت صورتها ومن أعطت مواصفاتها، من طول وقصر، وبدانة ونحافة مفرطة، ودراسة وعمل ودخل سنوي واهتمامات، بل وضع موسيقى محببة لمن عرض نفسه. وينطبق هذا أيضا على مواصفات الشاب. عندها يقوم الشاب أو الفتاة ببداية التعرف، وهنا المصيبة، لأن لصوص الأعراض كثيرون، فقد يكون شاب يريد العبث، وفتاة كاذبة وهمية، وامرأة قد غيرت عمرها وموقعها وبلد نشأتها، وآخر يريد التسلي لأنه ليس عنده شيء يتسلى به، وهل هناك أمتع من التحدث مع عشرات الفتيات بنفس الوقت!. إنها سوق خطيرة لمن أراد تحصين نفسه بزواج، وسوق سفلة لمن يريد الضحك على البنات وتوريطهن، أو بالعكس من تريد اصطياد رجل بكلمات معسولات كاذبات. مع هذا فالموقع أي “قران” وسواه الذي يملأ خزائنه من مال مليون مشترك بالدولار الحلو، حريص في كشف الخداع والتدليس حتى لا يتأثر موقعه بسمعة سيئة وضحك على الذقون؛ فيقوم بالتنبيه على أي تغيير يدخله المشترك على بلده وسنه ووضعه العائلي، فقد تكون واحدة مطلقة وحولها (كومة) أطفال فتعلن عن نفسها بكراً عروباً تروباً. أو عجوزاً شمطاء تدعي جمال أفروديت وعنق نفرتيتي ورشاقة بينلوبي، ليكتشف المتورط لاحقا أن عليه إعالة امرأة بدينة بحجم الحوت الأبيض مع عائلة هائلة بالخبز واللحم والجبن والشاي، بعد أن يقع في حب الموصوفة الغزال! أو بالعكس رجل مليونير محتار في توزيع ثروته بين القارات الست؛ لتكتشفه الفتاة المسكينة أنه موظف أقرع أجدع تافه فقير الحال يسكن في شقة بائسة في مدن الصفيح في طوق عاصمة. مع هذا فالموقع يرحب جدا بالنجاحات التي يقوم بها في ربط الرجال بالنساء في زواج قد يتكلل بالنجاح وقد يضل طريقه، فيخبر عن قصص نجحت، ويخفي الفشل الذي يغطي معظم الاتصالات، وهكذا هي طبيعة الحياة. وهكذا فنحن أمام إفراز العولمة من جانب غير متوقع، فإذا بفتاة تايلاند تحج لكردستان تبحث عن زوج راسلته وأحبته، فتزوره وتبقى عند أهله أربعين يوما ثم يودعان بعضهما بالدموع على أمل اللقاء. أو رجل من الأرجنتين راسل فتاة من المغرب؛ فشد الرحال إلى موطن ابن بطوطة ليجتمع ببنت بطوطة وملك الجان الأحمر في طنجة وتطوان. والسؤال والجواب حول هذا التطور: هل هو مشجع؟ هل هو مخيف؟ هل هو تزحلق إلى الهاوية؟ هل هو صيد سمك بالماء. وعض سمك قرش أبيض في بحر لجي. هل هو بركة وضربة حظ وتوفيق من الله العلي المتعال؟ أم ورطة ومصيبة وكلفة وبهذلة؟ والجواب أن كل هذا فيه وأكثر! ويسألونك أحق هو قل أي وربي .. ما أنتم بمعجزين.