مما يدهشني كثيرا أن بين علماء وأدباء وفلاسفة الغرب من هو على اطلاع وعلم ومن يشيد بخاتم الأنبياء محمد رسول الله منقذ البشرية صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام .. وبالمقابل بيننا نحن المسلمين من يكاد لا يعرف عن سيرته الطاهرة سوى اليسير.. وحين أقول اليسير أعي ذلك تماماً, فإن من يعلم يقتدي ومن يعلم عن الفحشاء ينتهي ومن يدرك صفاته، وبطولاته وتجلياته يمضي في سنته وينشر أخلاقه ويتحلى بقيمه ومروءته وشرعه. وما تربيتنا القاصرة لأبنائنا وسلوكياتنا الركيكة وفرقتنا الواضحة وشتاتنا وانحراف أجيالنا إلا خير دليل بأننا في مفترق طرق مع خلق وعقيدة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. يقول سيد قطب رحمه الله في مقدمة كتابه: هل نحن مسلمون؟ : كيف انحسر مفهوم الإسلام في نفوسنا إلى هذا الحد ؟؟ كيف انحسر من مفهوم شامل للحياة البشرية في جميع اتجاهاتها ، بل مفهوم شامل - في الحقيقة - للكون والحياة والإِنسان ، لكي يصبح مجرد عبادات تؤدى على نحو من الأنحاء ، بل لا تؤدى أحياناً إلا “ بالنية “ .. بل لا تؤدى أحياناً على الإِطلاق ، لا بالنية ولا بغير النية .. ثم يظل يدور في أخلادنا - مع ذلك - أننا مسلمون صادقو الإِسلام ؟ “ ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل “ حديث شريف. ويقول برنارد شو في المجلد الأول- قصة الإسلام -”كان محمد هو روح الرحمة، وقد ظل تأثيره باقيًا خالدًا على مر الزمان، لم ينسه أحد من الناس الذين عاشوا حوله، ولم ينسه الناس الذين عاشوا بعده” ويقول أيضاً: “قرأت حياة رسول الإسلام جيدًا مرات ومرات، فلم أجد فيها إلا الخلق كما ينبغي أن يكون، وكم ذا تمنيت أن يكون الإسلام هو سبيل العالم”. وفي شهادة الكاتب الإنجليزي المعروف “توماس كارليل”( Thomas Carlyle) يقول: “ويزعم المتعصبون والملحدون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان.. كلا وأيم الله, لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين العظيم النفس، المملوء رحمةً وخيراً وحناناً وبراً وحكمة وحجى وإربه ونهى أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه”.. ويتابع: “ أرى في محمد آيات على أشرف المحامد وأكرم الخصال، وأتبين فيه عقلاً راجحًا وفؤادًا صادقًا ورجلاً قوياً عبقرياً، لو شاء لكان شاعرًا فحلاً أو فارسًا بطلاً أو ملكًا جليلاً ، أو أي صنف من أصناف البطل” “ إن محمد شهاب قد أضاء العالم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”.. ويقول المستشرق الإنجليزي المعاصر “مونتجمري وات” (William Montgomery Watt): “ولي أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام من جديد برجل هو أعظم رجال أبناء آدم”. ويقول أيضًا: “إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدًا وقائدًا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه”. وفي حديث لجريدة “ينج إنديا” يقول (مهاتما غاندي) : “ أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول ، مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسِفاً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة”..وفي كتابه “محمد النبيّ” يقول البروفيسور (راما كريشنا راو) : «لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبيّ، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا ». أما المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر) في كتابه “الشرقيون وعقائدهم” : كان محمد رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبيُّ بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد ، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية ، وهما : العدالة والرحمة.. ويعود الانجليزي (جورج برناردشو) في كتابه “محمد” والذي أحرقته السلطة البريطانية ليقول: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال ، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا). إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها. في كتابه “ديانة العرب” يقول المستشرق الأمريكي ( سنكس ): ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة. ويقول (مايكل هارت) في كتابه “مائة رجل في التاريخ” : إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدؤوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليها سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها. يقول الأديب العالمي (ليف تولستوي): يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة. جوته الأديب الألماني : “إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا ، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد”. صلوات الله وسلامه عليك يا سيدنا وقائدنا وقدوتنا. أقوال وشهادات العصر مدهشة حقاً مقابل سلوكياتنا البعيدة عن تعاليم الإسلام والمنهجية المحمدية.. فهل نحن مسلمون؟