أكثر من (6500) هو العدد الإجمالي لمنظمات المجتمع المدني في بلادنا، ما بين جمعية ومنظمة بحسب آخر الإحصائيات، وهو عدد كبير جداً قد لا نجد مثيلاً له في عديد الدول التي تلمس تأثير عمل هذه المنظمات في مجتمعاتها أفضل مما هو لدينا. القانون المنظم لعمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية في بلادنا يعد واحداً من أفضل القوانين على مستوى العالم في هذا الجانب، إذ أعطى مساحة واسعة للعمل الأهلي بمختلف أنواعه دون قيود، ومنح حرية تكوين المنظمات الأهلية والعمل بكل حرية وديمقراطية لتؤدي دورها في خدمة المجتمع.. إذاً الهدف الأساسي من قيام منظمات المجتمع المدني هو العمل كشريك ثالث إلى جانب القطاعين العام والخاص في عملية البناء والتنمية، ومجال عملها هو الإسهام في تحقيق التنمية البشرية من خلال استهدافها الإنسان، العنصر الأساس لأي تقدم أو تطور في أي مجتمع من المجتمعات، ومتى ما قامت بهذا الدور فإنها بالتأكيد ستكون قادرة على إحداث الفارق داخل المجتمع إلى الأحسن، صحيح أن هذه المنظمات ليست حلاً سحرياً لكل ما يعانيه المجتمع من مشكلات، لكنها قد تكون أداة ممكنة لعلاج الكثير من هذه المشكلات، ولكن هل تؤدي كل هذه المنظمات الدور المفترض منها؟ إذا نظرنا إلى واقع الحال، ورغم هذا العدد الكبير من منظمات المجتمع المدني في بلادنا، فإننا سنجد أن الفاعلة منها لا تتجاوز نسبة ال (25 %) بينما البقية خاملة طوال العام، بل إن المنظمات الفاعلة وإن كانت تُقدّم بعض الخدمات هنا أو هناك غايتها ليست إحداث التغيير والمساهمة في الأخذ بيد المجتمع نحو التقدم والتطور، بل لإحداث الضجيج الإعلامي حولها، واستدرار المزيد من الدعم المادي (الداخلي والخارجي)، ومحاولة لإضفاء المشروعية لاستمرارها بإبرازها كمنظمات نشطة تُقدّم العديد من الخدمات والأنشطة التي في حقيقة الأمر لا تُصلح حالاً ولا تُغير واقعاً. الجمعيات الخيرية، وهي أكثر منظمات المجتمع المدني عدداً وأوسعها انتشاراً، يفترض بها أن تقدم خدمات أساسية للمجتمع من خلال تنفيذ برامج وأنشطة تستهدف مساعدة ودعم الأسر الفقيرة والمعوزة، إلا أن عدداً قليلاً فقط من هذه الجمعيات تنشط طوال العام ولها أيادٍ بيضاء في مساعدة الكثير من الأسر الفقيرة والمعوزة، أما البقية فإنها لا تعلن عن نفسها ولا يدبُّ فيها النشاط والحيوية ولا تتذكر الأعمال الإنسانية إلا بشكل موسمي أو مناسباتي كشهر رمضان مثلاً، أما طوال العام ف «لا حس ولا خبر »، مما يضع أكثر من علامة استفهام حول أهداف ومقاصد هذه الجمعيات التي لا تظهر إلا في مناسبات معينة وتختفي طوال العام؟ وهل فعلاً لها مقاصد خيرية وتسخّر ما تقوم بجمعه من تبرعات لصالح الفقراء والمحتاجين؟ أم أن لها أهدافاً أخرى؟ أمام كل هذه التساؤلات لا ندري لماذا تقف الجهات المعنية في موقف المتفرج ولا تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية في حق المنظمات غير الفاعلة في المجتمع أو تلك التي تستغل حاجات المجتمع لتحقيق مصالح القائمين عليها.. فقد آن الأوان أن نستفيد من تجارب الآخرين في قيام منظمات مجتمع مدني تعد فعلاً شريكاً ثالثاً لتطوير المجتمع وتقدمه ! [email protected]