الثقافة الحميدة مشروطة باحترام المسافة الفاصلة بين السلطة والمؤسسة، وبهذا المعنى تتحقّق هذه الرؤية من خلال ثقافة سياسية حميدة أيضاً، وأقصد بالثقافة السياسية الحميدة تلك التي تجعل المؤسسة حاضناً أساسياً للنظام والقانون، وضابطاً للشفافية، ومصدراً للأداء المتوازن. السلطة المعتمدة على ثقافة سياسية متخلفة تصادر المؤسسة لصالحها، ومن ثمّ تجعلها مطيّة لمصادرة الشارع وهمومه وأحلامه وآماله. السلطة التي تذيب المسافة بينها والمؤسسة تحمل على ظهرها أثقالاً لاتقوى عليه، فتجد نفسها في مُغالبة يائسة للدولة ونواميسها، ثم ينتهي بها المطاف إلى التلاشي عبر انتفاضة الجماهير التي تنخلع من ربقتها كما حدث في مصر وتونس . السلطة التي لاتعتمد نظام الفصل الاجرائي واضح المعالم بين التشريعي والتنفيذي، تجد نفسها أمام غول الحقيقة المرة، فالتشريعي المؤتمن على مصائر البلاد والعباد يصبح أصلاً من أُصول الفساد، والتنفيذي المؤتمن على الوظيفة العامة يتخلّى عن أخلاقيات المهنة، والمحنة الوجودية تُلحق ملايين العاملين البسطاء بثقافة الرشوة والكذب حد فقدان الكرامة الآدمية . ليس من حل لهذا الإشكال سوى ثقافة الدولة العصرية التي ترتكز على الديمقراطيةغير المُفصلة على المقاس،وبالتالي ليس من مخرج سوى إعادة النظر في جُملة الشواهد والمشاهد التراجيدية الشاخصة، والقبض على جمرة الاستحقاقات العاجلة تشريحاً واصلاحاً واستئصالاًلأسباب الفساد،بالترافق مع محاربة الظاهرة. هنا يصبح الاصلاح السياسي والاقتصادي وجهي عملة واحدة، وكلاهما كفيلان بتحقيق ثقافة مجتمعية تغادر الكراهية والمحسوبية والنفاق والتطاول على المال العام . ثقافة الدولة الاتحادية اللامركزية تعني تماماً استيعاب منطق التاريخ والجغرافيا اليمنيين، وليس استيراداً لنماذج جاهزة كما يتوهم البعض من فاقدي المعرفة العالمة بالأدب السياسي العصري. [email protected]