التهوين من قدر الأحداث لاينبغي أن يكون له محل في واقع اليوم, سواء لدى السلطة أو المعارضة أو الشعب اليمني نفسه , لأن الحساب الخاطئ وعدم التقدير الصحيح للأمور سينزلق بالجميع إلى قعر المأساة التي تعني فيما تعنيه خراب الوطن وإعادته إلى الصفر, فما هو واضح حضور الفكر التخريبي كقوة منعزلة لاتريد التعبير عن إرادة التغيير ولكن تسعى نحو إشاعة الاقتتال واستمرار نزيف الدم بين من يختلفون في الرأي.. بين من يقولون: (لا) وبين من يقولون: (نعم). الأحداث اليوم تجري على وتيرة مخيفة تنذر بكارثة وطنية عنوانها التصادم والاقتتال والمواجهة بين الإرادات والرغبات التي يجب أن ترعاها السلامة المجتمعية والمنطق الحضاري والاحتكام إلى الديمقراطية كمرجعية نهضت على أساسها إعادة اللحمة الوطنية قبل عشرين عاماً. لقد وصلنا اليوم إلى مرحلةٍ كلٌ يحمل فيها العصا لتأديب الآخر .. وإشهار السلاح في وجهه .. والمطاردات السجالية التي تذكيها نزعة البغض والكراهية .. وقد شهدت العاصمة صنعاء في ليلة أمس الأول انموذجاً من هذه الفوضى التي اسفرت عن سقوط مواطنين مابين قتيل وجريح. الأمر يقتضي إذن الوقوف بعقل وحكمة أمام ما آل إليه مستوى الحياة الطبيعية , والعمل على كيفية الخروج من هذه الأزمة بعيداً عن الشطط وأسلوب العناد. ينبغي أن يبدأ زمن التخلص من عصابات الفساد التي كادت للشعب, وأوصلها الغرور اليوم إلى حد لايطاق من الهبر والنهب والسلخ والسلب والسطو والاستيلاء والإغارة على كل مخصص.. يسلخون ميزانيات المشاريع صغيرةً وكبيرةً , وينهبون خزائن المال العام ولايكفيهم ذلك, بل تمتد أيديهم حتى إلى مخصصات الضعفاء والمساكين من أصحاب الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية التي يستحي حتى إبليس أن يمد يده إليها لأن ما تأخذه الأسرة الواحدة لايعدو أن يكون مبلغاً زهيداً لا يسمح بالخصم ولو عشرة ريالات. إن المفسدين هم من يسرهم اليوم أن تتحلل نظم الوطن ومرجعيته الدستورية والقانونية بعد أن شلوا حركة هذه المرجعية الوطنية الجامعة وهم من يريد للوطن أن تسلمه الأحداث إلى هذه الحالة من الضياع التي يظل الوطن فيها عالقاً يتيه في الأرض.. وهم إن رفعوا أصواتهم يريدون الأمن والسلام فإنما يريدون الأمن لمصالحهم وأموالهم المشبوهة ولايهمهم ماهو لصالح للإنسان اليمني. هؤلاء المفسدون هم الذين يحرقون الوطن اليوم.. ويحرقون معه صورة النضال ورموزه الوطنية والشرفاء من أبنائه الذين يعملون بإخلاص ما أمكنهم .. فالفساد والعبث بالوطن يعمي أبصار الناس عن التمييز بين من يتألم لهذا الوضع ويساعد في إصلاحه وبين من يهمه مصالحه الذاتية والحفاظ على منصبه للاستمرار في الإفساد والإثراء غير المشروع. لامجال سوى تقديم مايعيد الولاء الوطني إلى مكانته في النفوس.. اتجِهوا بصدق نحو تحقيق الأمن الغذائي وتخفيف مستوى الفقر بمختلف وسائل المعالجة.. أوجِدوا أعمالاً للشباب حتى نعيد الأمل إلى نفوسهم بقدرتهم على مواجهة ظروف الحياة وبناء المستقبل. احكموا على الفاسدين بمصير مشؤوم كمصير البرامكة .. واجعلوا ذلك في يوم مشهود يكون درساً مستفاداً وعيداً لأولنا وآخرنا.