بعد كل ما أحيطت به ثورة الشباب المصري من صخب إعلامي، عادت الاعتصامات إلى ميدان التحرير لتطالب بإقالة حكومة (شفيق) وتشكيل حكومة ثكنوقراط خالية من رموز النظام السابق، فيما الحال نفسه تكرر مع الشباب التونسي الذين عادوا للاعتصامات وحملات الفيس بوك، مطالبين بإقالة حكومة (الغنوشي) فهو الآخر من رجالات النظام السابق. وبقدر ما تفاجأ الشباب المصري والتونسي بخروجهم (من المولد بدون حمص) والتفاف أقطاب مخضرمة عليها، لكن المفاجأة الأكبر جاءت ببيان المجلس العسكري المصري الجمعة الذي أعلن رفض أية ثورة مضادة ؟ وهدد بالتدخل عسكرياً لقمعها، مطالباً شباب ميدان التحرير بإنهاء كل أشكال الاعتصامات، فالقادمون الجدد إلى سدة الحكم على صهوة الديمقراطية يحرمون العمل بسنتهم في التغيير. في ليبيا ظل المشهد ضرباً من الجنون السياسي بعد أن غابت الحكمة عن ردود فعل السلطة، وبات التدخل العسكري الأمريكي والبريطاني قاب قوسين أو أدنى، في نفس الوقت الذي أخرج تنظيم القاعدة في المغرب رأسه معلناً مباركته ثورة الشعب الليبي ومحاولاً جرها إلى العمل الجهادي، وذلك هو ما توقعناه بالضبط منذ لحظة انفجار الأحداث. لكن المشهد في البحرين بدا مختلفاً؛ إذ تغلبت روح الحوار بين السلطة والمعارضة على نزوات العنف، إلا أن ذلك لن يخلو في نهاية الأمر من تداعيات خطيرة؛ نظراً لكون قسم كبير من أوساط المتظاهرين تعود أصولهم إلى بلاد فارس، وكانوا من مخرجات الهجرة الإيرانية إلى دول الخليج مطلع النصف الثاني من القرن الماضي في أعقاب تدشين الاستثمارات النفطية، الأمر الذي يعني أن أبواب وصول العرق غير العربي إلى سدة الحكم أو دوائر صنع القرار بدأت بالانفتاح التدريجي. ومن خلال قراءة المشهد كاملاً في كل الدول العربية التي تشهد تثويراً لشوارعها أو التي تحاول استباق الشارع ببعض الإصلاحات، نجد أن مطلب الإصلاح السياسي ظل غائباً عنها جميعاً – باستثناء اليمن– وتركزت القرارات الحكومية في جانب تحسين الحالة المعيشية بزيادة المرتبات أو إضافة امتيازات مادية، في الوقت الذي كانت بعض الشعوب لا تواجه مشاكل مادية بدرجة مقلقة، وإنما تواجه أزمة حقوق وحريات وتهميش وإقصاء من المشاركة السياسية. ولو انتقلنا إلى الساحة اليمنية لوجدنا أنها الدولة العربية الوحيدة التي انفتحت على خيارات واسعة من الإصلاحات السياسية إلى الدرجة التي قبل فيها حزب الأغلبية البرلمانية الحاكم بتشكيل حكومة وحدة وطنية، بل أيضاً لم يمانع حتى بأن يكون رئيس الحكومة من أحزاب المعارضة، وهي تنازلات لا تحلم بها معارضة في العالم إلا أن حجمها الكبير وغير المتوقع دفع المعارضة إلى الاعتقاد أن السلطة في أضعف مراحلها فتمالكها الغرور، وبعد أن كانت تتمنى من الله الحصول على حقيبة وزارية لم تعد رئاسة الوزراء تملأ عيونها، وباتت تراهن على كرسي الرئاسة. وقد يبدو للمعارضة أن حشد المتظاهرين يجعل من رهانها أمراً ممكناً جداً، إلا أنها أغفلت حقيقة أن الطرف الآخر لديه في الشارع حشود مماثلة أيضاً، وربما تفوقها مراراً، وإن أية محاولة للاستقواء بالدعم السياسي الخارجي، أو فرض سياسة الأمر الواقع قد تقود إلى انفجار صدامات الشارع الشعبي، وفتح أبواب حرب أهلية، لا أحد يتكهن بأمدها، أو ما ستجره من ويلات على اليمن. السؤال الذي ظل يتكرر أمامنا هو إن كانت المعارضة واثقة من تمثيلها لموقف الأغلبية الكاسحة إذن لماذا ترفض الدخول في الانتخابات وإسقاط الحزب الحاكم عبر الصناديق. بتقديري أن المعارضة قد تخسر فرصاً ذهبية متاحة اليوم بين أيديها إن ظلت تراهن على تثوير الشارع؛ لأننا لو افترضنا أنها نجحت في تفجير فوضى الشارع فإننا نستبعد جداً أن تقطف ثمار ذلك لنفسها؛ لأن الظروف حينذاك ستدفع بطرف ثالث ينتزع كل أحلامها، كما هو حال ما جرى في مصر وتونس، فليس كل من فَرَد خبزاً أكله..!