رغم أن الشباب المتظاهرين قدموا أنفسهم للشارع كقوة ثالثة مناهضة للحاكم والمعارضة على حد سواء إلا أنهم اليوم لا يجدون ما يقولونه للشارع حول إعلان المشترك انضمامه إليهم بعد أن رفعوا شعار إسقاطه, الأمر الذي يؤكد أنهم لم يكونوا سوى (ظل المشترك) الذي خدع الناس وأوهمهم بأنه اليد النظيفة غير المدنسة بآثام الحاكم والمشترك التي ستنتشلهم مما جنت به الأحزاب عليهم. قبل أكثر من أسبوع أوردت تلك الحقيقة بمقالي (أسرار لعبة التغيير) مع جملة حقائق أخرى مستوحاة من التجربة المصرية التي على ما يبدو أن اليمنيين لم يستلهموا دروسها فوقعوا ضحية عملية نصب سياسية ثانية استغلت بها المعارضة براءة الشباب وأحلامهم الجميلة لتمسح أوساخها بوجوههم ثم تطل برأسها لتصادر إنجازهم بعد أن يكونوا قد نجحوا في تحريك الشارع الذي عجزت عن زحزحته طوال عقود من عملها السياسي، ومثلما رفع الشباب المصري شعار إسقاط المعارضة مع النظام, ثم لم يعترض بنصف كلمة على انضمامها إليه ومصادرة ثورته فإن الشباب في اليمن فتحوا أذرعهم لاحتضان المشترك ومزقوا شعارات إسقاطه وسلموه القيادة. ما ينبغي على الساحة الشعبية اليمنية إدراكه الآن هو أن كل ما يبنى على باطل هو باطل، وأن (من تغدّى بكذبة ما تعشى بها) وبالتالي فإن هذه الأحزاب لم تكن مضطرة لتضليل الرأي العام بوجوه الشباب إلا لأن وجوهها غير مقبولة لدى الناس، بمعنى أن ما قام به المشترك كمن يري الناس فتاة حسناء فيخطبونها فيفاجئهم يوم العرس بأن زف إليهم أختها الأرملة الشمطاء!. ومع أن المشترك حاول استنساخ التجربة المصرية بحذافيرها لكن إعلان الرئيس صالح استعداده لرعاية الحوار خلط عليه الحسابات فبادر اليوم إلى دعوة قواعده للالتحام بالمتظاهرين, وكان ذلك قبل نضوج طبخته وتمرير لعبته على الغالبية العظمى وهو ما أعاد تصنيف الساحة إلى حاكم ومعارضة فقط، وهذا الكشف المبكر عن الهوية سيمنح الحاكم فرص الحفاظ على قواعده الشعبية في نفس الوقت الذي يعيد المعارضة إلى مربع إشكالياتها السياسية من حيث ارتباطاتها مع الحوثيين، وموقفها من الحراك، وموقف الحراك من الحزب الاشتراكي، ثم حسابات النفوذ ومخاوف الأحزاب الصغيرة من التهامها من قبل تجمع الإصلاح الكبير، ومدى توافق كل تلك الحسابات مع التوجهات الإقليمية والدولية والاستراتيجيات الأمنية القومية. لا شك أن أحزاب اللقاء المشترك قادرة على حشد مئات آلاف المتظاهرين في صنعاء أو تعز وسرقة أضواء الإعلام من خلالهم, لكن ماذا لو حشد الحزب الحاكم مسيرات مليونية في تلك المدينتين أو غيرهما؟ وهو أمر مقدور عليه جداً, وإذا ما فعلها دون أي احتكاك يعكر سلم المسيرات فإنه يكون قد قلب المعادلات المصرية والتونسية، وأظهر الرأي العام العالمي بأنه مازال الحزب صاحب الأغلبية الشعبية، خاصة عندما ينظم الحاكم مسيرات كبرى في المحافظات الجنوبية التي من الصعب جداً على المشترك تنظيم حتى مسيرات صغرى فيها. وطالما نحن نتحدث عن رهانات الورقة الشعبية فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: إذن لماذا ظلت احزاب المشترك تتنصل من خوض الانتخابات إن كانت تعتقد أنها قادرة على تثوير الشارع؟ والجواب هنا هو لأن المشترك لا يلعب بورقة قواعده الشعبية وإنما يراهن على الحراك الانفصالي والحوثيين ويوهم الشارع بأن الحراك تراجع عن الانفصال لتبديد مخاوف الناس على الوحدة رغم أن قيادة الحراك نفسها تؤكد أنها لن تتراجع عن فك الارتباط، وهو ما يؤكد أن المشترك لا يمانع بانفصال الجنوب ولا تأسيس الدولة الحوثية, فالحوثيون لن يثوروا لسواد عيون حميد الأحمر ولا الحراك يثور من أجل من يصفهم بالمحتلين, فكل له أجندة حلّلها المشترك.