الحوار هو منطق العقلاء، فيه تُحل كافة القضايا وتُزال الكثير من العقبات وهو بمثابة طوق النجاة للحيلولة دون تطور القضايا وتشعب الأحداث وبدون الحوار فإن الأوضاع تظل غير مستقرة والقضايا تظل عالقة ومرشحة نحو المزيد من التأزيم، وفي بلادنا وفي خضم الأحداث التي تشهدها الساحة السياسية بات من الواضح للجميع أن غياب التوافق والحوار بين فرقاء العمل السياسي قاد إلى الوصول لهذه الأوضاع المتوترة والمضطربةً والتي تحتاج إلى حرص واسع من قبل الجميع على المصلحة الوطنية وتقديم التنازلات من أجل الوطن من قبل السلطة والمعارضة لتمكين البلاد من تجاوز الأزمة الراهنة والعمل على بدء الحوار الوطني الجاد والمسئول الذي تناقش فيه مختلف القضايا دونما تحفظ أو شروط مسبقة. الرئيس جدد خلال استقباله المدير الإقليمي للمعهد الديمقراطي الأمريكي الدعوة لإجراء الحوار الوطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على الانتخابات، وهي دعوة سبق له أن كررها مراراً وتكراراً وأكد مجدداً بأنه لاتمديد ولاتوريث للسلطة في اليمن، ولا أعتقد أن هناك فرصة مواتية للمعارضة مثل هذه الفرصة لتقديم أجندتها ومطالبها التي تقول بأنها تهدف إلى خدمة المواطنين وتحسين أوضاعهم المعيشية، فعلى المعارضة أن تأخذ زمام المبادرة وتتبنى مطالب الشعب وتعمل على تنفيذها على أرض الواقع عبر طاولة الحوار الوطني الجاد الذي يرعاه الرئيس بصفته رئيساً للشعب، فهي اليوم مطالبة من قبل كل عقلاء اليمن إلى العودة السريعة للحوار والعمل على تنفيذ مطالب الشعب والتي تتركز في المقام الأول على تحسين الأوضاع المعيشية والحد من الفقر والبطالة ومحاربة الفساد والعبث بالمال العام وتقديم كافة الوثائق التي تدين أي شخص في الدولة بتورطه في قضايا فساد وإهدار المال العام، والعمل على ترسيخ قيم ومبادىء العدالة والمساواة وبناء دولة المؤسسات وإحداث إصلاحات اقتصادية وسياسية واسعة تنعكس آثارها بصورة إيجابية على المواطنين وهي مطالب ستجعلهم يحظون بتأييد شريحة واسعة من أبناء الشعب، اليوم الرئيس يوجّه رئيس الوزراء بالتحاور مع المعتصمين من الشباب والإستماع إلى مطالبهم ليتسنى للحكومة تنفيذ ماهو مشروع ومعقول منها وهي مبادرة جيدة وكنا نتوقع أن تجد في أوساط هؤلاء المعتصمين من يتعامل معها بعقل وحكمة بعيداً عن اللغة الانفعالية والأحكام القطعية المسبقة، فالحوار هو السبيل الأمثل للخروج من الأزمة إذا ما أردنا الانتقال السلمي للسلطة وبدون الحوار والتوافق ستنزلق البلاد نحو منزلقات خطيرة ونحن هنا لانسعى لنشر الرعب في أوساط المواطنين وتخويفهم كما يُصور البعض، بل على العكس تماماً فإننا نقدم لهم رؤية وطنية وتشخيصاً دقيقاً لمخاطر غياب بوادر الانفراج للأزمة الحالية واستمرار رفض المعارضة للعودة إلى طاولة الحوار رغم كل التنازلات الوطنية التي قُدمت لأجل الوطن، وللأسف الشديد أن المعارضة جعلت قضيتها منحصرة في إسقاط النظام وتنحي الرئيس علي عبدالله صالح عن الحكم وكأن البلاد ستُحل مشاكلها وتصلح أحوالها وتتحسن أوضاعها بذلك، وهي مغالطة لاتمت للحقيقة بصلة، فأوضاع البلاد في هذه المرحلة على الأقل بحاجة إلى وجود الرئيس على سُدة الحكم من أجل ضمان الانتقال الديمقراطي السلس للسلطة لكونه يمتلك مقومات ومؤهلات ذلك وهو الأكثر حرصاً على الحفاظ على ما تحقق للبلاد في عهده وهذا حق مشروع له بموجب الصلاحيات المخولة له بناءً على الدستور.. وعلى المعارضة أن تساعده في تحقيق ذلك وتعمل لإطلاعه على كافة الأخطاء والتجاوزات وأوجه القصور الموجودة في الدولة وتطرح له الحلول والمعالجات المقترحة. ومن الخطأ الظن بأن تهييج الشارع وركب موجة التغيير تقليداً لما حصل في تونس ومصر وما يحصل في ليبيا سيُمكن المعارضة من اعتلاء سدة الحكم بهذه الطريقةً، فالبلاد ليست فوضى وهناك وسيلةً واحدة وهي صناديق الاقتراع للوصول إلى السلطة، ومن خلال الحوار الوطني ستُحل كافة القضايا وسنتجاوز كل المنغصات والصعاب التي تعترض حياتنا وتقف حجر عثرة أمام حاضرنا ومستقبلنا، ومع حلول موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي فإن كل الأحزاب والتنظيمات السياسية مدعوة باسم الوطن لإحداث التغيير وانتخاب من يحكمهم في الفترة القادمة عبر صناديق الاقتراع بالطرق السلمية بدون مظاهرات واعتصامات لنجسد للعالم الصورة المثلى للانتقال والتداول السلمي للسلطة، وإنني هنا أناشد كل العقلاء في السلطة بأن يحرصوا على عدم القيام بأي تصرفات تنعكس آثارها سلباً على الأوضاع وأن يعملوا على امتصاص حماس المعتصمين والابتعاد عن اطلاق التصريحات الإستفزازية ويتحلى الجميع بالحلم وسعة الصدر وليحرصوا على منع أي أعمال عنف تجاه المعتصمين فالبلاد لم تعد تحتمل مثل هذه التصرفات الصبيانية التي تسيء إلى الرئيس وإلى البلاد، وهي تصرفات أدانها الرئيس واستنكرها بشدة سواء كانت من المؤيدين أم المعارضين، وأنا هنا أضم صوتي لصوت الأستاذ القدير سمير رشاد اليوسفي بأن الرئيس علي عبدالله صالح لم يعد لديه ما يخفيه أو يخافه كما أنه ليس بحاجة إلى مظاهرات في الشوارع تؤيده وتدعمه.. فلقد كان سباقاً في احتواء كافة الأحزاب بمختلف توجهاتها، ولم يمنع حزباً ولم يقمع صوتاً ولم يحكم بقانون الطوارىء ولايخطط للتوريث ولايسعى إلى الحكم المؤبد. وفي الوقت ذاته أناشد عقلاء المعارضة بأن يُدركوا خطورة الأوضاع وضرورة الحوار الوطني من أجل إنقاذ البلاد من شبح الفوضى المخيم عليها، وعليهم أن ينحازوا لمنطق العقل ويتخلوا عن مواقفهم المتشددة التي تصدر عن رفاقهم ممن ركبوا موجة التغيير نكايةً بأشخاص وتصفيةً لحسابات ومصالح شخصيةً وعليهم الضغط على رفاقهم للعودة إلى الحوار ومناقشة كل القضايا ومعالجة كل المشاكل من منظور وطني دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى وتهيئة الأجواء المناسبة للانتقال السلمي الديمقراطي للسلطة، ونحن إذ نطالبهم بتغليب منطق العقل والحكمة وإيقاف الاعتصامات والمسيرات والحملات الإعلامية من أجل تهيئة الأجواء لانعقاد جلسات الحوار الوطني، فإننا هنا لاننافق أو نجامل أو نراهن السلطة الحاكمة، فالأوضاع في البلاد لاتحتاج المزيد من النفاق والتزلف السياسي لأننا ندرك عواقب ذلك وماحصل في تونس ومصر وماهو حاصل في ليبيا خير شاهد على ذلك. ولكننا نريد مصلحة الوطن ونخشى أن تغرق البلاد في بوتقة الفوضى والخراب والتدمير وخصوصاً أننا على معرفة تامة بالتركيبة القبلية والاجتماعية ليمننا الحبيب، وبصريح الكلام لانريد أن تدمر البلاد من أجل قضايا وحسابات شخصية ومطامع سياسية، لانريد أن نقضي على ماتحقق لنا في سنوات عديدة خلال لحظات، وعلى المعارضة أن تعي جيداً أن علي عبدالله صالح الذي اعتلى سدة الحكم في 17يوليو 1978م وهو يحمل كفنه على كتفه بات اليوم أكثر اقتناعاً بعدم رغبته في مواصلة قيادة البلاد وهذه المرة ليست قابلة للأخذ والرد والمساومة، وليست خطوة استباقية لمواجهة تداعيات ماحصل في تونس ومصر كما يروج البعض، وإنما هي انطلاق من رغبته في رعايته للتداول السلمي للسلطة وحرصه على ترسيخ هذا النهج الديمقراطي، وحتى موعد الانتخابات الرئاسية على المعارضة إذا ما كانت جادة في المنافسة على الظفر بمنصب رئاسة الجمهورية أن تبحث من الآن عن البديل المناسب وهي دعوة لكافة الأحزاب والتنظيمات السياسية وكافة أبناء الشعب اليمني الأصيل للبحث عن البديل المناسب، وعلى المعارضة أن تُدرك جيداً أن الرئيس علي عبدالله صالح ليس معصوماً عن الخطأ فالكمال لله وحده، وأنه استطاع أن يحظى بتأييد ودعم ومؤازرة الغالبية العظمى من أبناء الشعب ممن يعتبرونه رمزاً ومفخرةً لهم وسيظل بالنسبة لهم الزعيم الاستثنائي الذي استطاع إبطال مفعول الكرسي المفخخ وقاد البلاد في مرحلة عصيبة وتمكن بحكمته وحنكته من السير بدفة السفينة اليمانية إلى بر الأمان وحقق أغلى الأحلام وأسمى الأمنيات بإعلانه قيام الوحدة المباركة، وقدم لليمن كل طاقاته وسخر لها جل جهده ووقته وأمام هذه العطاءات الوطنية من الواجب علينا جميعاً أن نرفع له القبعات ونقدم له كل عبارات الشكر والثناء نظير ماقدمه للبلاد، ومن العقوق أن نُقابل ذلك بالإساءة والتهجم فهذا لايليق، وفي الأخير هي دعوة أوجهها لكل أبناء الشعب بأن يحافظوا على وطنهم ويحرصوا على أمنه واستقراره ومكتسباته وأن يجعلوا مصلحة الوطن فوق المصالح السياسية والحزبية وأن يحرصوا على التغيير نحو الأفضل وفق الطرق القانونية والدستورية بعيداً عن الفوضى والعشوائية والعبثية والله من وراء القصد. Fatah777602977yahoo.Com