قال تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)، انطلاقاً من هذه الآية القرآنية التي تضمنت الأمر الإلهي للمؤمنين باتقاء الفتنة وعدم الانجرار نحو ما يقود إليها من قول أو عمل أو حتى نية ورغم هذا التوجيه والأمر الإلهي الصادر من المولى عز وجل إلا أن هناك في أوساطنا هنا في بلد الإيمان والحكمة من يصروا على إشعال الحرائق والفتن وجر البلاد إلى مالا يُحمد عقباه غير مكترثين بخطورة ما ستؤول إليه الأوضاع، فما هو حاصل من أزمة سياسية خانقة اليوم يعد جريمة في حقنا كيمنيين فلا يعقل أن نُغفل توجيهات المولى عز وجل من أجل اللهث وراء المكاسب والمصالح الشخصية والسياسية والحزبية، لقد وصلت الأوضاع إلى مرحلة بالغة الخطورة وقد تذهب الأوضاع إلى ماهو أكثر خطورة وهذا مالا يريده الشعب، فالشعب اليمني يريد من أطراف العمل السياسي في السلطة والمعارضة العودة إلى طاولة الحوار ومناقشة كافة القضايا وعرض كافة المطالب التي ينشدها كل طرف والشروع في دراستها من منظور وطني خالص والعمل على استخلاص ما يهم ويخدم الوطن والمواطن على حد سواء والاتفاق والإجماع عليها ووضع جدول زمني ينظم عملية التنفيذ، بحيث تكون نتائج الحوار مرضية لكل الأطراف، ولا نريد أن يتخندق كل طرف وراء مجموعة من المطالب ويرفض ولو مجرد عرضها للنقاش لأن ذلك يمثل حجر عثرة يحول دون نجاح الحوار. الحاكم قدم تنازلات رفض تقديمها في السابق وهذه خطوة وطنية يشكر عليها، والمعارضة ترفض تقديم تنازلات أو القبول بتنازلات الحاكم والتي هي في الأصل مبادرات سبق للمعارضة تقديمها، وفي هذا الإطار فإن الحوار الوطني الجاد والمسؤول سيكون المخرج للبلاد من هذه الأزمة، والوقت لا يزال مواتياً للحوار ولا داعي لافتعال العقبات ووضع العراقيل والتصوير بأن الحوار الآن بات شبه مستحيل لأن ذلك يعتبر من باب التعنت فالمولى عز وجل حاور إبليس مصدر إغواء البشرية من أجل ترسيخ هذا المبدأ فلماذا يغلق البعض نوافذ الحوار من أجل مصلحة اليمن؟ وأعتقد أن الحوار هو الخطوة الأولى التي ستقود إلى انفراج الأزمة وعبر الحوار سيتم الاتفاق على آلية الانتقال السلمي للسلطة والاتفاق على الإصلاحات الدستورية والقانونية والتشريعية والسياسية وغيرها من القضايا ولن تجدي نفعاً دعاوى الرحيل والمحاكمة التي ترفعها المعارضة ضد الرئيس، فالأغلبية التي يتم الاستهانة بها ونعتها بأشنع الأوصاف خرجت في مسيرات مليونية حاشدة في عموم المحافظات في جُمع التسامح و الوفاق والإخاء وأخيراً في جمعة الحوار هذه الملايين تمد أيديها لأولئك المعتصمين والمطالبين برحيل الرئيس وإسقاط النظام للعودة إلى منطق العقل والحكمة والعودة إلى طاولة الحوار بعد أن أدرك هؤلاء أن الاعتصامات لن تحل المشكلة ولن تنفع أعمال الاعتداء على المجمعات الحكومية والمؤسسات والدوائر الحكومية واقتحام المدارس والجامعات لإجبارها على إيقاف الدراسة وكذا استخدام القوة ضد أصحاب المحلات التجارية لإغلاق محلاتهم بغية الوصول إلى عصيان مدني ، هذه ممارسات تتنافى وسلمية مطالب الشباب الذي يطالب بالتغيير وهي ممارسات استفزازية ستقود إلى مواجهات وصراعات دموية وسيسقط المزيد من الشهداء الأبرياء وستتضاعف المأساة وهو مالا يرضاه غالبية أبناء الشعب اليمني المتسلحين بالإيمان، فالجميع على معرفة تامة بحرمة النفس البشرية قال رسول الله ( لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم امرىء مسلم) فهذه الأرواح التي تزهق هي نتيجة لانجرار المعارضة وراء إثارة الفتنة من خلال التعبئة الخاطئة للشباب المعتصمين والدفع بهم إلى التمدد في ساحات الاعتصام والخروج في مسيرات استفزازية من الطبيعي أن تواجه بالردع الذي يحفظ للدولة هيبتها ومكانتها ويضمن عدم التعرض للمنشآت والمصالح الحكومية، هناك قوى داخلية لديها أجندة تسعى لتنفيذها عبر الشباب المعتصمين حيث تستغل هذه القوى نفوذها وسطوتها وثروتها ووسائل الإعلام التي تملكها وتلك التي تمولها وتدعم طباعتها ولن تقبل هذه القوى بالحوار لأنها تدرك جيداً أن أجندتها لن تتحقق في ظل العودة للحوار، ولم تعد ممارساتها وأساليبها بخافية على أحد فهي دخلت في حالة من العدائية ضد شخص الرئيس وبعض أفراد أسرته ، فهذه القوى هالها النجاحات التي حققها هؤلاء القادة في مجال أعمالهم والمكانة التي باتوا يحتلونها على الصعيد الوطني وأنا هنا لا أقدم دعاية مجانية لهم أو أن لي مصلحة منهم ولكنها الحقيقة، حيث وقفت هذه القيادات ضد أطماع ومصالح هذه القوى التآمرية وهو ما جلب نقمتها عليهم لتبدأ هذه القوى بحيك خيوط المؤامرات لإدخال البلاد في صراعات دموية، وأنا هنا لا أدافع عن الأشخاص ولا أقول بأن الرئيس علي عبدالله صالح، من حقه أن يظل رئيساً للبلاد حتى مماته، فأنا مع تنحيه عن السلطة فور انتهاء فترته الدستورية وأنا أيضاً مع أي تنازل يقدمه الرئيس يفضي في الأخير إلى تقديم موعد تنحيه عن السلطة طواعية من باب ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، أقول ذلك وأنا على علم بأن هناك من يطالب الرئيس بالرحيل الفوري عن السلطة وهناك من ركب غواه وذهب إلى حد المطالبة الحمقاء بمحاكمة الرئيس ولكنني على علم أيضاً أن هناك من يرفض ذلك جملة وتفصيلاً وهؤلاء بحسب المعطيات الحسابية الراهنة يمثلون الأغلبية ومن الضروري جداً الاستماع إلى أصواتهم واحترام أفكارهم بعيداً عن الإقصاء والاستخفاف، هذه الأغلبية هم من أبناء اليمن لديهم بطائق شخصية وعائلية وجوازات سفر يمنية، قلوبهم تنبض بحب اليمن،ليسوا دخلاء أو مرتزقة أو عملاء أو بلاطجة أو مأجورين كما تقول وسائل إعلام ثورة حميد الأحمر, هؤلاء يمنيتهم تجري في عروقهم مجرى الدم, لهم قناعاتهم الشخصية ومن السخف أن يصور البعض ممن ركبوا موجة التغيير في ساحات الاعتصام أن الواحد منهم يساوي عشرة من هؤلاء اليمنيين المؤيدين للشرعية الدستورية, هذا الأسلوب جلب على المعتصمين والمعارضة سخط أبناء الشعب فخرجوا للرد على ترهاتهم وخزعبلاتهم وأطروحاتهم التي لاتُعقل ولاتُقبل من أحد, الجمعة الماضية خرج غالبية أبناء اليمن في جمعة أطلقوا عليها جمعة الحوار والتي جاءت متزامنة مع دعوة دول مجلس التعاون الخليجي لكافة الأطراف السياسية والشبابية للتوجه إلى الشقيقة السعودية للتحاور من أجل الخروج من هذه الأزمة الراهنة في إطار جهود خليجية مشكورة ولاأعتقد أن الحوار سيكون من مصلحة طرف على حساب أطراف أخرى كما يحاول البعض تصوير ذلك, فالحوار سيكون من مصلحة الوطن وسيجد كل طرف من خلاله مايرنو إليه مع اختلاف في الطريقة أو الوسيلة التي تقود إلى ذلك, ولاأعتقد أن من مصلحة المعارضة ومن معها مقاطعة دعوة الحوار هذه مهما كانت الأسباب ، فالشعب لايريد ذلك, الشعب يتوق للحوار من أجل انفراج الأزمة السياسية التي أفرزت للأسف الشديد العديد من الأزمات التي يتجرع مراراتها المواطن المسكين, الشعب يريد الحوار انطلاقاً من قناعاته الراسخة أن مطالب الشباب المعقولة وغير المعقولة ومعها ذات المطالب الخاصة بالمشترك ومن معه لن يتحقق المفيد منها والذي يعود بالنفع على الشعب والوطن إلا عبر الحوار, لأن كل طرف متمترس خلف أفكاره فلماذا الإصرار على تعطيل مصالح الناس وجعلهم يعيشون في أزمات ويشعرون بالخوف والرعب والقلق من المجهول القادم في الوقت الذي بالإمكان أن تعالج كل القضايا وتعود الحياة إلى طبيعتها في إطار الحوار الوطني؟ اليوم الحاجة ملحة جداً وضرورية للعودة إلى طاولة الحوار تحت رعاية الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وبتأييد ودعم الأصدقاء من الدول المانحة, فلا نفوت هذه الفرصة ولانكون أدعياء للفتنة, ولانتذمر إن نحن قدّمنا تنازلات من أجل مصلحة الوطن, لأننا حققنا في ذات الوقت مكاسب كانت في السابق صعبة المنال. - إن المرحلة اليوم تتطلب أن يتصدر العقلاء من السلطة والمعارضة الصفوف وأن يكونوا رجالاً لها ليأخذوا بالأزمة الراهنة إلى مؤشرات الانفراج وأن يكونوا أكثر الناس حرصاً على استخدام لغة الإخاء والتسامح والألفة والمحبة ونشرها كثقافة وطنية في أوساط اليمنيين سلطة ومعارضة, نريد هؤلاء العقلاء أن يكونوا دعاة للحوار من أجل اليمن وليستخدموا مابحوزتهم من أسلحة إقناع لإقناع أولئك الرافضين للحوار وعليهم أن يتسلحوا في سبيل تحقيق ذلك بالصبر والتحمل حتى يتحقق المراد, وبإذن الله ومشيئته ستكلل هذه الجهود بالنجاح, وستؤتي ثمارها, وسينتصر منطق الحوار وسيتحقق التوافق المنشود بإذن الله, نأمل أن يلعب العقلاء في السلطة والمعارضة هذا الدور لما فيه مصلحة اليمن أرضاً وإنساناً. مجرد توضيح تلقيت الأسبوع الماضي رسائل الكترونية وهاتفية عديدة لم يتورع غالبية أصحابها في كيل صنوف السب والإساءة والتجريح بحجة أنني من أقلام السلطة المأجورين الذين يُدفع لنا من الخزينة العامة للدولة وأننا مجرد منافقين وكذابين على حد تعبيرهم لمجرد أننا نقول مانعتقده أنه الصح وليس لنا من وراء ذلك أي مطمع أو مكسب مادي أو سياسي وإنما الغاية كما يعلم الله الإسهام في إخراج الوطن من هذه الأزمة ولاأعتقد أننا بذلك نرتكب جريمة في حق الوطن كما يُصور هؤلاء فنحن نكتب وننتقد ولانداهن أو ننافق أو نجامل وإن حصل منا أي تقصير فالكمال لله وحده وكلامنا ليس قرآناً يتلى وإنما هو عبارة عن رؤى نسعى من خلالها لخدمة وطننا وشعبنا ولاداعي لعبارات التخوين التي يرددها البعض بكثرة هذه الأيام, فالبلاد تحتاج العبارات التي تحث على الأخوة والتصالح وتدعو إلى الحوار والتسامح وتحقق للشعب كل الآمال والمصالح. [email protected]