الأنظمة العربية التي مازالت في قلب المشهد ومعادلة الجدل الصراعي الحميد، قادرة على أن تتخلص من أدرانها، وأن تباشر إصلاحاً جاداً يبدأ بالسلطة وينتهي إليها، فالمشكلة القائمة لا تمثل خللاً تقنياً عابراً هنا وهناك ، بل خللاً في التركيبة الهيكلية التي تحتاج إلى جراحة كبيرة، تستأصل أسباب الفساد وتسد منابع الروائح المنتنة التي أزكمت الأنوف ، ويمكن للأنظمة العربية أن تباشر الأمر بذاتها، وأن تتخلّى عن موبقات ماضيها من خلال الإقرار بأن ما كان لا يمكنه أن يصلح للمستقبل، وأن الاعتراف بالذنب خير ألف مرة من الإقامة في العناد، الذي كان سبباً مباشراً للإطاحة المهينة لثلاثة أنظمة عربية كانت تعتبر نفسها قبل أقل من شهرين بأنها أعتى وأكثر الأنظمة سيطرةً على مقدرات الشارع . الارتقاء بالذات مخرج حقيقي لمن ألقى السمع وعرف القانون ، والاعتقاد بأن مناورات الماضي القريب لا تصلح للحال القائم وستفضي إلى مالا يُحمد عقباه ، وتزداد الصورة قتامة إذا عرفنا أن إرادة الحوار تتآكل يومياً وتباعاً، والإدارة بمنطق الأزمة تنتفي أيضاً، فما العمل ؟ أعتقد جازماً أن أمام الأنظمة العربية فرصة سانحة للارتقاء بالتخلي والتسلي، كما كان يقول العلامة الرائي الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي ، وكما كان يقول الحلاج : عليك يا نفسُ بالتسلّي عليك بالزُهد والتخلّي ونكرر معهما ناصحين : من تخلّى فقد تسلّى وتجلّى، ومن أصرّ على البقاء في ماضيه مادت به الخرائب. [email protected]