اسم افتراضي موصول بذاكرة التاريخ والجغرافيا وهو إلى ذلك قائم في أساس الحقيقة الواقعية اليومية، ذلك أنه ليس مهماً من تكون «ميمونة» ولكن المهم أنها تتواجد بسخاء عظيم في أزمنة البشر ونواميسهم الاجتماعية والنفسية . «ميمونة» أنثى تنتمي لمدى الحرية الرائية الرصينة وتُناجز الزمان والمكان بمنطق يتجاوز الزمان والمكان، ولهذا السبب تفارق مألوف المكان ونواميسه التقليدية لأنها «تتبهلل» في إنجازاتها النسوية الفولكلورية، وتحمل ثلاثاً في بطن واحدة. تناجز الأيام بتلقائية الفعل اليومي وتنويعات الجمال المتحرر من «حشمة الأسلاف» وإصرارهم التقليدي على التكرار وما يفيض عنها من تضاريس اجتماعية أقرب إلى الصنعة والدربة لا الإبداع . هكذا توافرت «ميمونة» في كل الأزمنة والأمكنة، لكأنها تؤكد دائرية الوجود وتقلبات الأيام اللا متناهية، وقدرتها الاستثنائية على تحويل الحقيقة إلى خيال والخيال إلى حقيقة .. المعقول إلى اللا معقول .. والجنون إلى فنون . عصر يوم بعيد من متاهة الماضي الذي يسافر كعصفور متجدد كانت «ميمونة» مثار سخرية الساخرين، وسؤال المُرجفين، وتعليقات المُغرضين، ورفض المخطوفين المنعدمين في أحوال الوجود الظاهر، والقانون العابر، ولهذا السبب انتصرت عليهم جميعاً؛ لأنها ظلت قابعة في الحقيقة الأزلية واستمرت في مدى الأيام كائناً شفيفاً نورانياً لا يضيره أن يكون مفارقاً ومُغايراً ومُتمرداً . قبل حين كانت نموذجاً للمرأة المُحبة حدّ الانتفاء، والزوجة الصالحة كغراب أعصم بين الغربان ، والمرأة الشاردة لأنها العاقلة من النساء كما الشاردة في الإبل، وبهذه المثابة والمعاني أثبتت أنها الأولى في قدر الإنسان والزوج، وأنها القادرة على أن تنجب سلالة من نور ونار وماء، وأنها الفاعلة في الفصول الأربعة وما يتجاوزها، وأنها التي تختصر جنازة تمتد إلى مدىً أعمق من العمق، وأنها الحاضرة الأزلية في سماء القبول الناعم ، والصبر الدائم ، وأنها القادرة على تقديم رسالة الصمت الأعمق من الكلام والمتكلمين ، وأنها التي ترمي بأشياء جواهرها في أطلس الغيب المجهول لتقول لمن لم يعرفوها مالا يقوله العارفون المتبجحون. تخلّت وتسلّت ففاضت بنعيم التخلّي والتسلّي وهي تردد قول الرائي: عليك يا نفس بالتسلي عليك بالزُهد والتخلّي تلك شعشعة نائرة لآفاق سائرة، وهي إلى ذلك حالات سادرة في أوهام مسافرة، والمعنى لطيفة من لطائف القدر لا يقدر على استكناه أبعاده إلا من كان له «عقل» أو «ألقى السمع وهو شهيد» صدق الله العظيم.